خالفوا القانون ثم حماهم مسؤولون سابقون ومتنفذون يشوّهون التنظيم العمراني في قرى الأسد.. والاتهامات تلاحق ثغرة “الاستثناءات”!
يبدو أن غياب الثقة بين المواطن والمؤسسات الخدمية، وخاصة الوحدات الإدارية التي غاصت في أوحال المخالفات والتجاوزات المتنوعة، وضع عملها في خانة الشبهات والتجريم بالفساد، والتلاعب بالقوانين والإجراءات لتحقيق المنفعة الذاتية، وتمرير الصفقات، أو لإرضاء أصحاب القرار والمتنفذين الذين لهم سطوتهم وحضورهم في كافة المواقع والمفاصل!.
ولعل ما يحدث في قرى الأسد في ريف دمشق من تغيير في الصفة العمرانية، وتغيير ضابطة البناء لحوالي 20 عقاراً فقط، يشكّل أحد أوجه استثمار القانون لتغطية التجاوزات التي تتم تحت عنوان استثناءات، وغيرها من الممارسات والطرق التي تتبع استناداً للصلاحيات الممنوحة لمن هم في مواقع المسؤولية، أو للسلطات غير المرئية المتحكمة بتوجيه دفة القرار كما تهوى في قرى الأسد، حيث تثير استجابة اللجنة الإقليمية لمقترحات المجلس المحلي الغرابة، أو بالأحرى الشبهات حول معايير ضابطة البناء التي اعتمدتها ضمن المخطط التنظيمي؟!.. وكيف تبرر الجهات المعنية وجود تجاوزات من قبل بعض المسؤولين السابقين والمتنفذين بصورة واضحة؟!.
شكوى
بعض سكان قرى الأسد الذي تواصلوا معنا أكدوا أنه في الفترة الأخيرة تم هدم مجموعة من المحاضر ليتم تحويلها إلى أبنية طابقية، وإضافة طابقين إضافيين بشكل مخالف أيضاً عما كان مسموحاً به للأبنية الطابقية أصلاً، كما تتم أحياناً إضافة قبوين تحت الأرض لتصبح الأبنية مؤلفة من قبوين تحت الأرض، وسبعة طوابق فوق الأرض في منطقة مخصصة للفيلات، والفيلات الطابقية، ما ألحق أذى كبيراً بالفيلات المأهولة، وشوّه النسيج العمراني المتناغم في منطقة قرى الأسد.
وأكدوا أنه بعد تزايد عدد الشكاوى المقدمة من سكان المنطقة توقفت بلدية قرى الأسد عن عملية تسهيل منح الاستثناءات، وإعطاء الرخص لإضافة طابقين إضافيين، ولكن بعد هذا التوقف، وبالتعاون بين البلدية وبعض التجار الذين تعمل معهم بطريقة غير قانونية، تم ابتداع أسلوب يعتمد على الحصول على تقارير صادرة من نقابة المهندسين تفيد بأن البناء غير صالح للسكن، وآيل للسقوط، ويستحصلون بموجب التقارير على ترخيص بالهدم، وبذلك يتم هدم فيلا مؤلفة من ثلاثة طوابق مبنية ومكسوة من الخارج بالحجر، وبالأسقف القرميدية الجميلة، وبعد أن يصبح البناء عبارة عن أرض، تصبح هناك إمكانية للتلاعب والفساد للحصول على تراخيص جديدة للبناء ليعملوا بذلك للنتيجة نفسها من تحويل الفيلات إلى أبنية طابقية بحجة واهية وهي تحصيل رسوم للبلدية بمئات الألوف لتغطية سرقات ورشاوى وصلت في بعض الحالات إلى أربعين مليون ل.س، كما سمعنا من أصحاب المكاتب العقارية!.
وإحدى هذه الحالات هي الفيلا رقم 96 التي فوجئنا بهدمها من قبل المالك الجديد بالأسلوب نفسه بعد استصدار رخصة هدم، وتحويلها إلى بناء طابقي، فكيف يتم استصدار رخص الهدم لأبنية قائمة، ولا يختلف اثنان على جودتها إنشائياً، حيث إنها منفذة من قبل مؤسسة الإسكان العسكري؟! وكيف يتم تحويل صفتها التنظيمية المثبتة من فيلات على أبنية طابقية؟! وكيف تم تعديل ضابطة البناء في عام 2015، وإلغاء السقف القرميدي، وذلك فقط لتحقيق بعض المكاسب المالية بطرق خالية من أي إبداع، أو أية قيمة مضافة، خاصة أنه من الأجدر الاستثمار في مناطق أخرى بما يسهم بتحسين الواقع العمراني في هذه المناطق؟!.
لا شك في أن ما قاله الأهالي لا يمثّل الصواب تماماً، فهناك العديد من القضايا الغائبة عنهم، فموضوع الهدم موجود كملاحظة على المخطط التنظيمي الذي يتيح الترميم والهدم بناء على طلب صاحب العقار، عدا عن وجود أكثر من نظام للبناء في قرى الأسد، ولكن كلامهم بالمجمل يتضمن معاناتهم، وحقائق تدين الوحدة الإدارية، والقرارات الصادرة عنها، كما أن مخاوفهم من تكرار سيناريو الأبنية الطابقية في المحضر 96 تستند لمخالفات وتجاوزات واضحة وحاضرة في قرى الأسد، وهناك أيضاً شكوى موجهة من أصحاب المحضر 66 من الجزيرة الخامسة الحي الأول إلى العديد من الجهات حول المخالفات الحاصلة في قرى الأسد.
شاهد عيان
زيارتنا إلى منطقة قرى الأسد أتاحت لنا فرصة التعرف على الواقع كما هو، حيث وقفنا على حقيقة الأمور، وعرفنا تماماً معنى التشويه البصري الذي تحدث عنه الأهالي الذين فتحوا لنا أبواب بيوتهم، أو (الفلل)، لنرى أبنية طابقية مطلة على بيوتهم بشكل يخترق خصوصيتها، ويحرمها من ميزة الفيلا، وهناك العديد من الأبنية الجديدة، والحفر الكبيرة التي كانت قبل وقت عبارة عن أبنية مشادة على نظام الفلل، تم هدمها والبناء على أنقاضها؟!.
في بلدية قرى الأسد التي زرناها أكثر من مرة التقينا خلالها برئيس مجلس قرى الأسد مازن عون، ومحمد الحلاق رئيس المكتب الفني، فأكدا على أن نظام ضابطة البناء ضمن المخطط التنظيمي لعام 2015 سمح لأي شخص بهدم عقاره، وإعادة بنائه من جديد، ولفتا إلى أن في نظام قرى الأسد المنفذ من قبل مؤسسة الإسكان بناء طابقياً، كما أن هناك نظام فلل على الصفة نفسها، ولها طابق تسوية، حيث تم تعديل البناء من قبل اللجنة الإقليمية، وإضافة طابق واحد، حيث تم عرض المخطط التنظيمي، وأخذ موافقة اللجنة الإقليمية على بناء طابق إضافي، فرق منسوب؟!.
وأكد عون على أن المخطط التنظيمي أعلن استثنائياً في عام 2017، واجتمعت اللجنة الإقليمية، ووافقت على اقتراحات، وهي عبارة عن تعديل نسبة البناء، وارتفاع الطابق، وزيادة نسبة البناء من 20 إلى 40%.
ولم يخف عون محاولة تدارك الأخطاء، وذلك من خلال الإعلان عن إضافة طابق على جميع الأبنية في المستقبل لتحقيق العدالة مع الذين حصلوا على موافقات، ووصفها بالقديمة لبناء خمسة طوابق، وهذا ما يؤكد على وجود خلل ما، وحلقة مفقودة، خاصة أن هناك عشر موافقات فقط لأشخاص متنفذين عدّلوا من خلالها وضع أبنيتهم، وضابطة البناء، وحدد لنا عون أرقام تلك الأبنية: (324، 93، 214، 85، 54 حي أول، و54 حي ثان، 66، 226، 240).
وبالنسبة للمحضر 96 الحي الثاني الذي يقع ضمن المخطط التنظيمي بصفة تنظيمية فيلات منفردة، لفت عون إلى أنه تم هدم البناء عليه استناداً إلى رخصة الهدم رقم 508/ص تاريخ 26/6/2018، مشيراً إلى أنه دخل في نظام الضابطة (قبو تسوية) حسب نظام الأقبية، وأن الترخيص الذي سيتم منحه لا يخالف ضابطة البناء، وهو عبارة عن رخصة لبناء ثلاثة طوابق مع قبو إضافي، ولن تسمح البلدية بأية تجاوزات، لافتاً إلى أن الأهالي يبنون شكاواهم على الشكوك في نوايا صاحب البناء.
الواقع العمراني
في نقابة المهندسين في ريف دمشق كان لقاؤنا مع عطى السيد أحمد رئيس المكاتب الذي أكد لنا أن دور النقابة ينحصر بالأمور الفنية فقط، وليس لها علاقة بالأمور الإدارية والقانونية، وخاصة في موضوع الهدم الذي يكون بناء على طلب المجلس المحلي، حيث تتولى النقابة الجوانب الفنية، كما حصل في رخصة الهدم رقم 502/ص تاريخ 24/6/2018.
بعد خروجنا من النقابة التي أكدت على عدم مسؤوليتها عن أي خلل حاصل في قرى الأسد، سعينا للقاء بعض المعنيين باللجنة الإقليمية التي أقرت نظام ضابطة البناء في المخطط التنظيمي، حيث تواصلنا مع راما الظاهر معاونة وزير الأشغال العامة التي كان لتعاونها دور كبير في تسهيل مهمتنا، إذ تم اللقاء في مكتب هالة شبانة مديرة التخطيط العمراني في الوزارة مع بعض خبرات الوزارة من أعضاء اللجنة الإقليمية، ودار الحديث حول الواقع العمراني في مختلف المناطق، والصعوبات التي تواجه التخطيط، وخاصة لجهة التداعيات المتعلقة بتأخر صدور المخططات التنظيمية، والفوارق الحاصلة بين الواقع الموجود، والمخططات الصادرة، وبشكل يفرض المواءمة مع المستجدات.
وفيما يخص قرى الأسد أكدوا أنه في عام 2005 صدر أول مخطط تنظيمي، وبموجب المرسوم رقم (5) لعام 1982 وتعديلاته، وحسب المرسوم 107 لعام 2011 تقوم المجالس المحلية بإعلان المخططات التنظيمية مع مقترحات المجلس لمدة 30 يوماً في الجريدة الرسمية، وفترة 30 يوماً لتقديم الاعتراضات، وبعد الانتهاء من فترة الإعلان يتم تجهيز الوحدة الإدارية لعرضها على اللجنة الإقليمية لدراسة المقترحات والاعتراضات، والبت بها، وترسل الإضبارة للإعادة والإعلان.
وللأسف لم نجد إجابة شافية لسؤالنا عن إقرار تعديل ضابطة البناء لعدد معين من المحاضر، حيث تهرّب الجميع رغم إلحاحنا على هذا السؤال، وكانت الحجج حاضرة وبشكل يعزز حالة الظن بتواطؤ ما، أو خلل في عمل اللجنة التي لم نحصل منها إلا على إجابات عامة، وما يثير الغرابة أكثر أننا كلما سألنا عن المسؤول الفعلي عما يحصل من مخالفات، كانت حالة التململ تظهر على الوجوه التي تتخاطب بالنظرات، لتتوارى بعد ذلك في زحمة العمل والاجتماعات كما يدعون، خاصة أننا لم نكتف بهذه الجلسة، بل أجرينا عدة اتصالات، سواء مع الخدمات الفنية، أو مع أعضاء اللجنة الاقليمية، إلا أننا لم نحصل على أية معلومة.
همسات الحقيقة
خلال وجودنا في قرى الأسد التي دخلنا أكثر من فيلا فيها، سمعنا الكثير من الأحاديث التي تشي بوجود حلقات فساد تعمل بالخفاء لتخريب وتشويه واقع المنطقة العمراني، وإدخالها في أتون المضاربات العقارية، والاستثمار التجاري، وذلك بمشاركة المجلس البلدي، وهذا الاتهام يطال المجلس السابق والحالي الذي يتابع تنفيذ قرارات وخطط واقتراحات المجلس السابق الذي اقترح تعديل نظام ضابطة البناء لغايات مشبوهة، وما يعزز هذه الشبهات ما قيل لنا عن حرق رئيس المجلس السابق كافة الأوراق والملفات قبل مغادرته مكتبه، وإنهاء تكليفه برئاسة المجلس؟!.
كما التقينا أيضاً مع بعض المهندسين المشرفين على الأبنية الجديدة الذين كانوا متحمسين للعمل، خاصة أن في قرى الأسد تنوعاً في نظام البناء، ولم يخف وجود تجاوزات بشكل محدود، ولأشخاص معروفين، إلا أنهم عادوا وأكدوا أن هناك هامش عمل كبيراً في المنطقة، ويتراوح سعر المتر ما بين 400 ألف و600 ألف ل.س.
وسمعنا أيضاً اتهامات مباشرة تدين قرارات محافظة ريف دمشق التي كان لها الدور الأكبر فيما يحصل في قرى الأسد من خلال التوجيهات الشفهية، أو الاستثناءات التي منحت في فترات سابقة، وباتت أمراً واقعاً يصعب تجاوزه، وهي جوهر القضايا المثارة في القرى، وطبعاً نحن هنا لا نتبنى أي اتهام، ولكننا ننقل ما سمعناه بأمانة، وبما ينسجم مع ميثاق العمل الصحفي وأخلاقياته، خاصة أن القضية باتت ككرة الثلج، وفي كل يوم تزداد تعقيداً مع وجود أولئك المبشرين بالجنة الذين كان لهم الدور الأكبر في هذا الملف الذي نتمنى أن يحظى باهتمام أعلى المستويات، فهو يكشف عن حقائق عديدة يمكن أن تكون مفاتيح لملفات إدانة كبيرة بتهمة الفساد، واستغلال المنصب لتحقيق المصالح الشخصية بأبشع صورها، فعدم تعديل ضابطة البناء للمنطقة بشكل كامل، وحصر التعديل بـ 20 أو 22 بناء فقط من قبل اللجنة الإقليمية والمجلس المحلي يضع هذه الجهات في محل الشبه بالتواطؤ أو الشراكة، والفساد الذي سمح سواء بهدم الأبنية، أو بناء طوابق إضافية، وهذه الحقائق كانت قاسماً مشتركاً وموضع اتفاق في حواراتنا الصريحة مع الأهالي، وحتى بعض كوادر البلدية، وفي وزارة الأشغال والمرافق العامة.
ودون أدنى شك طرح فتح هذا الملف في الإعلام يقدم فرصة جيدة للجهات المعنية لتخطو خطوات تنفيذية في مجال مكافحة الفساد، وقد يكون هذا الملف أحد أهم ملفات هيئة مكافحة الفساد، خاصة أن القضية جاهزة بشخصياتها وحيثياتها، ويمكن وضعها في دائرة المحاسبة والمساءلة القانونية، وهنا نسأل: ما هي الأسباب التي تدفع رئيس البلدية السابق لقرى الأسد لحرق جميع الأوراق والملفات قبل أن يغادر؟! وما هي الإجراءات التي اتخذتها محافظة ريف دمشق، أو الجهات الرقابية حيال هذا الموضوع، خاصة أن رئيس البلدية الحالي كان محاسباً للبلدية، ولديه الكثير من المعلومات التي قد تفيد في توجيه الإدانة لأي شخص ساهم أو شارك في المخالفات والتجاوزات، سواء لقاء مبالغ مالية وتحقيق المنفعة الشخصية، أو تحسباً لموقع وسلطة أصحاب المخالفات؟!.. والسؤال الأهم: في إحدى الأوراق التي حصلنا عليها، والتي ألقت المحافظة المسؤولية كاملة على البلدية، وهنا مربط الفرس كما يقولون، ما هو الإجراء المتخذ بعد أن أخلت مسؤوليتها جراء ذلك، وبالمختصر سكوت المحاسبة، وغياب المساءلة يوسعان دائرة الاتهام، وهذا ما نضعه بعناية رئاسة مجلس الوزراء التي قد يهمها ويعنيها التحقيق ومعالجة مثل هذا الملف بأسرع وقت، وتقديم المسؤولين عنه للمساءلة؟!.
بشير فرزان