ثقافةصحيفة البعث

التاريخ والتراث والحضارة في ملتقى الرقة الثقافي

 

انطلقت منذ أيام فعاليات ملتقى الرقة الثقافي (الرقة الحبيبة) في دار الأسد للثقافة في حماة, وكانت أولى الفعاليات عرض فيلم وثائقي بعنوان (الرقة تاريخ وحضارة) تناول سيرة المدينة مابين بناء الأمس, ودمارها اليوم بيد تحالف الإرهاب, ثم قدمت فرقة الرقة للفنون الشعبية بقيادة الفنان إسماعيل العجيلي عملها الاستعراضي الجديد (أصداء وحنين) الذي ينهل من تراث الرقة  الشعبي, الغني بأطيافه الفنية, وأصالته الإبداعية ,الموسوم بالحزن ,مداده البادية والنهر ,مواويل وتراتيل وأغنيات, سطرتها ذاكرة الأجيال فنسجت على الأرض القصة ,وطارت فوق الأوابد الحكاية, وانتقل الحضور لمشاهدة أربعة معارض فنية مختلفة (معرض للتصوير الضوئي يتحدث عن الرقة مابين النور والظلام, ومعرض للفن التشكيلي من وحي الفرات للفنانين محمد الرفيع, وسالم عجاوي,وإسماعيل شيخ العجرة, ونور الخليل وإيمان جرجيس, ومعرض نتاج عمل الأطفال واليافعين لمنظمة طلائع البعث بالرقة, ومعرض كتاب للهيئة العامة للكتاب.

أما فعاليات اليوم الثاني فقد تناولت الرقة وبعدها الجغرافي للمهندس طلال الشيخ رئيس مجلس مدينة الرقة أشار من خلالها إلى ما شهدته المدينة من نهضة عمرانية حديثة  ما بعد عام 2000 وما تعرضت له من دمار وخراب على يد ما يسمى بالتحالف الدولي عام 2013 وتهجير أهلها، الأمر الذي ينيط بمجلس المدينة مهمة التخطيط ووضع الاستراتيجيات اللازمة لإعادة تأهيل وإعمار المدينة, ولفتت د. رندة العجيلي رئيس غرفة تجارة وصناعة الرقة في محورها الذي تناولت  فيه جانب الفن المعماري من خلال عملية إسقاط تاريخي عن الرقة ونشوئها في العصرين الأموي والعباسي، وتعرضها للدمار على يد المغول /1251/م , ثم عودة الحياة إليها في العصر الحديث بداية القرن التاسع عشر في العام 1860, وكان أول مخطط تنظيمي لها على يد المهندس المعماري الايطالي (كواس)

وفي محوره (الرقة ضمن المشهد السوري) تحدث د. خلف المفتاح مدير عام مؤسسة القدس الدولية عن فكرة الانفتاح والتطوير الذي جاء به السيد الرئيس بشار الأسد ومرتسماته على الأرض, والذين تضرروا من هذا المشروع حاربوه بعدة أشكال, وأضاف: رغم قناعتي بفكرة المؤامرة إلا أن التطرف كظاهرة لها جذورها وأسباب تحركها, ومعالجة هذه الظاهرة تحتاج إلى إنتاج وعي مضاد, فالنموذج السوري يقوم على التناغم، وهو تكثيف لحالة العروبة, وعندما استهدفوا سورية استهدفوا العروبة في صميمها, وضربوا الفكرة السورية الحضارية، واستهدفوا الهويات بفوضاهم الخلاقة التي تهدم الكيانات الوطنية القائمة وإعادة تركيبها على حوامل  أخرى طائفية وعرقية ومذهبية, بحيث تصبح الدول الأخرى ضرورات مثل إسرائيل وأمريكا وتركية, والرقة ضمن المشهد السوري تحمل تاريخا في الوطنية وكانت دائما في الصف الوطني, فتفاعلت مع البعث وأصبحت خزانا اقتصاديا غذت الاقتصاد السوري في كل المنتجات ووجدت اهتماما ورعاية من الدولة السورية لهذا كان لها مستقبلها, فاستهدفها التحالف الأمريكي الصهيوني.

وتناول د. حسين جمعة (المشهد الثقافي في الرقة) فعرج على تاريخ الرقة أيام  الخليفة العباسي هارون الرشيد 180-193 هجري,حيث صهرت الرقة الثقافات  الشرقية مع الثقافة العربية في ثقافة واحدة قديما وحديثا, وأسست لانفتاح حضاري على بقية الأعراق مع وجود ثقافة التسامح,وتدمير الرقة من قبل طيران ما يسمى بالتحالف الدولي هو قتل للجذر الحضاري القائم على التسامح, والتكامل, وتطرق جمعة إلى أسماء بعض العلماء والأدباء والمفكرين من أبناء الرقة قديما وحديثا كالبتاني وثابت بن قرة ويونس بن متى, وربيعة الرقي من القدماء, وعبد السلام العجيلي وعبد الله أبو هيف وإبراهيم الجرادي وإبراهيم الخليل في العصر الحديث  وغيرهم,مؤكدا من خلال هذه الأسماء وما أنتجه من علم ومعرفة أن هذه الحالة أوجدتها طبيعة الرقة وتستمد ثقافتها انفتاحا وانصهارا لثقافات عدة, فالعجيلي كأنموذج لمثقفي الرقة في العصر الحديث هو شخصية ذات بعد حضاري يشبه من كانوا في عصر الرشيد اثر في الثقافة العالمية وقد ترجمت أعماله إلى عدة لغات, وهذا النموذج ولد نماذج عدة.

كذلك كان لورشات العمل الثقافي في الرقة أثرها حيث نافست العاصمة, وكل المثقفين حملوا بيئاتهم, من هنا تصبح الثقافة حاملة لمشروع الانتماء الوطني حيث شبهها الرئيس بوتين بستالينغراد, الرقة المتحررة المتسامحة تدعو إلى إعادة بناء وعي الذات وكينونة البناء الوطني.

وعرّف صالح صالح في محوره (سورية والصراع الدولي) الحرب على سورية بأنها حروبا متعددة مركبة الأشكال والأهداف بحيث شاركت فيها أكثر من /85/دولة, وتجلت هذه الحرب في عدة أشكال (حربا عسكرية نشرت ثقافة القتل  والتكفير,وحربا سياسية في محاولة لهدم الدولة السورية تحت ذرائع وشعارات كاذبة, وشكلا اجتماعيا استهدف الناس وأسلوب حياتهم في تهجيرهم قسرا إلى غير موطنهم ونسف ما هو قائم, وأخذت الحرب شكلا اقتصاديا في إفقار الدولة والناس، وكذلك أخذت شكل الحرب الإعلامية في تشويه صورة الشعب السوري وشيطنة صورة النظام بشكل مفبرك ومصنّع, وشكلا دينيا في تدمير أماكن العبادة, وحرب استخباراتية عالمية، وأشار صالح إلى عوامل الانتصار المتمثلة في الصمود الأسطوري للشعب السوري, وحكمة القائد الأسد, وبطولات الجيش العربي السوري, والدبلوماسية السورية ودورها في المحافل الدولية, ودعم الأصدقاء والحلفاء, وعدم التخلي عن الثوابت الوطنية.

وفي فعاليات اليوم الثالث قدم الأستاذ نعيم علي ميا مداخلة بعنوان (التبدلات المكانية وأثرها على الشخصية)تناول فيها مفهوما المكان والزمان, والعلاقة بينهما,والهوية وجدل الزمان والمكان, ومفهوم الشخصية, والمؤثرات في بناء وتشكيل الشخصية, ومفهوم التغير والثبات, وأهمية الأمن والاستقرار للفرد والمجتمع, وانعكاس حياة التنقل على الشخص وأثرها على الشخصية,والوطن مفهوم ثابت بتغير المكان.

و تحت عنوان (الرقة وإعادة البناء) تحدث د. صلاح الدين احمد يونس عن أهمية الرقة على المستويين الثقافي والاقتصادي في الحياة السورية والعراقية, ذلك بيت المؤنة للبلدين (غلة سوراقيا) ولا تقف أهمية الرقة عند غلالها وإنما هي بوابة الفرات لري الجزيرة ,كما أشار يونس إلى إعادة البناء وتوسيع فضائه ليشمل الجغرافيا والإنسان والثقافة لأنها تمتلك الوفرة في الغلال المادية والمعرفية, والفكرة التالية هي دور مثقفي الرقة في النهضة التعليمية التي باتت إلزامية وضرورة وإعادة النظر في مناهج التعليم وانتقالها الظرفي إلى الإستراتيجية الوطنية والقومية.

محمود البعلاو