دراساتصحيفة البعث

الدور العدواني الاسترالي القديم في المنطقة

مازن المغربي

استغرب البعض اندفاع الحكومة الاسترالية للمشاركة في الحرب العدوانية ضد سورية، ولكن عند أية مراجعة تاريخية سريعة نجد أن الدور الاسترالي في منطقتنا كان على الدوام مرتبطاً بتحالف استراليا مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة، ويكفي أن نتذكر مدى التشابه بين نشوء الولايات المتحدة، وتطور الدولة الاسترالية، ففي الحالتين كان الأمر متعلقاً باجتياح بلاد آمنة، وإبادة السكان الأصليين، والاستيلاء على أراضيهم، والقضاء على ثقافات عريقة عاشت في تناغم مع الطبيعة، وتحويل من تبقى من السكان الأصليين إلى مجموعات مهمشة، فعندما بدأ الاستعمار الأوروبي في القرن الثامن عشر، كان عدد السكان الأصليين يتراوح بين 750 ألفاً والمليون نسمة، لكن عددهم تراجع بشكل مريع بسبب الأمراض المعدية التي نقلها المستعمرون، وبسبب الاضطهاد، وكانت الجريمة الأفظع هي انتزاع أطفال السكان الأصليين وفصلهم عن عائلاتهم بهدف تنشئتهم نشأة أوروبية خالصة، والقضاء على ثقافتهم الأصلية، وتحويلهم إلى يد عاملة رخيصة ومطيعة، كما تم القضاء على الثقافات المحلية، حيث إن هذه القارة الشاسعة سمحت، قبل وصول المستعمرين، بتطوير قرابة ثلاثمئة لغة محلية، لكن معظمها اندثر ولم يبق اليوم منها سوى 70 لغة.
فعلى الرغم من أن استراليا هي جزيرة شاسعة بعيدة عن العالم القديم ولا توجد لديها حدود برية مشتركة مع دول أخرى، لكنها كانت دائماً مشاركة فعالة في الصراعات العنيفة التي دارت في أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى، وتكرر ذلك عند اندلاع الحرب العالمية الثانية.
شاركت استراليا في الحرب العالمية الأولى منذ اندلاعها، حيث توافق رئيس الوزراء جوزيف كوك وزعيم المعارضة أندرو فيشر على تقديم دعم مطلق لبريطانيا، وباشر الأسطول الحربي الاسترالي عملياته في الجزر القريبة التي كانت تحت سيطرة ألمانيا، وفي الخامس والعشرين من شهر نيسان 1915 نزلت قوات استرالية في منطقة غاليبولي التي شهدت معارك شرسة بين القوات العثمانية وقوات الحلفاء، وانتهت بهزيمة الحلفاء وانسحابهم، لكن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لنا هو مشاركة القوات الاسترالية في المعارك التي دارت في الشرق الأدنى.
بدأت حملة الشرق الأوسط عام 1916، وتم نقل قوات استرالية للمرابطة في مصر بهدف حماية قناة السويس، ثم شاركت تلك الوحدات في إعادة السيطرة على شبه جزيرة سيناء، وانطلقت القوات تحت قيادة الجنرال أدموند اللنبي لتستولي على فلسطين وعلى سورية ولبنان، وتكمن المفارقة التاريخية في واقع أن قيادة الجنرال اللنبي ضمت الأمير فيصل بن الحسين الذي منح رتبة جنرال، كما ضمت قادة الفيلق اليهودي الذي شكله ديفيد بن غوريون.
تمكنت القوات المتحالفة من إيقاع الهزيمة بالجيش العثماني، وفي الخامس والعشرين من أيلول 1918 أمر الجنرال اللنبي قواته بالزحف على سورية، وكان الجنرال الاسترالي هاري تشاوفيل هو المسؤول عن احتلال سورية، وهو الذي أعد خطة الاستيلاء على دمشق، ويورد ديفيد فرومكين في كتابه الهام “نهاية الدولة العثمانية ونشوء الشرق الأوسط الجديد”، أنه في التاسع والعشرين من أيلول قررت قيادة الجنرال اللنبي أن تكون قوات فيصل هي الوحيدة التي تدخل دمشق لعدة اعتبارات مثل تحاشي الصدام مع أهل المدينة، ومكافأة التابع المخلص فيصل على خدماته، وأصدرت الأوامر إلى قوات الخيالة الاستراليين للدوران حول المدينة في انتظار وصول قوات الأمير فيصل التي كانت على بعد ثلاثة أيام منها، لكن تمثيلية منح فيصل دوراً في الاستيلاء على دمشق فشلت تماماً، حيث انسحبت القوات العثمانية، وكذلك كبار الموظفين، وبادر اثنان من الوجهاء المحليين هما سعيد وعبد القادر الجزائري، حفيدي البطل الأمير عبد القادر، إلى تولي إدارة المدينة ورفعا العلم العربي في الثلاثين من أيلول، وكان هناك لواء فرسان استرالي مكلف بقطع طريق حمص، ويبدو أن قائد الخيالة قرر اختصار الطريق والمرور عبر دمشق، ودخلها في فجر الأول من تشرين الأول، حيث رحب به الشقيقان سعيد وعبد القادر بشكل رسمي، وبالتالي كانت القوات الاسترالية هي التي حظيت بشرف الاستيلاء على المدينة.
كما شاركت استراليا في الحرب العالمية الثانية ودعمت قوات الحلفاء بقرابة مليون جندي، شاركت القوات الاسترالية في الحرب في أوروبا وفي شمال أفريقيا وفي معارك جنوب غرب المحيط الهادئ، وشاركت البحرية الاسترالية في معارك البحر الأبيض المتوسط، وكان لها دور في حصار مدينة طبرق واقتحامها، كما شاركت الوحدات الاسترالية في حملة اجتياح لبنان وسورية في مواجهة القوات الفرنسية الموالية لحكومة فيشي، حيث دخل جنود الفرقة السابعة مدينة بيروت في 12 تموز 1941، بعدها تمركزت القوات الاسترالية في سورية بهدف إعادة بناء قدراتها واستئناف المساهمة في معارك الشرق الأدنى، كما كان للفرقة الاسترالية التاسعة دور هام في معركة العلمين.
ولم يقتصر النشاط العسكري الاسترالي على منطقة الشرق الأدنى، حيث لم تغب استراليا عن المشاركة في الحرب الكورية 1950-1953 وزجت 17 ألف جندي استرالي في تلك الحرب الضارية.
كما شاركت القوات الاسترالية في حرب فيتنام طوال إحدى عشرة سنة امتدت من عام 1962 وحتى 1973.
ولم تغب استراليا عن المشاركة في عاصفة الصحراء، حيث أرسلت عدة قطع بحرية، بالإضافة إلى 1600 جندي للمشاركة في عمليات التحالف الدولي العدواني تحت قيادة واشنطن، وقد كتب المراسل الصحفي مارك كوركوران مقالاً حول تاريخ التدخل العسكري الاسترالي في العراق بين 1991-2014.
إن هذا الاستعراض التاريخي السريع يبيّن أن النشاط العسكري الاسترالي في منطقة الشرق الأدنى مستمر منذ أكثر من مئة عام، وصار من ثوابت السياسة الخارجية لاستراليا.
والسؤال الذي يفرض نفسه: ما الذي يدفع بلد مثل استراليا يقع على بعد آلاف الكيلومترات من بلادنا، ويمتلك اقتصاداً مزدهراً، ويحتل المرتبة الثالثة عشرة على مستوى العالم، كما يحتل نصيب الفرد من الدخل القومي المرتبة العاشرة عالمياً، وهو الدولة المصنفة في المرتبة الثانية في مؤشر التنمية البشرية، للتورط في عمليات عسكرية في مناطق بعيدة؟.. إن هذا الأمر لا يتعلق بمن يحكم البلاد بل مرتبط بالقوانين الموضوعية التي تسير النظام الرأسمالي الذي لا يجد خلاصاً من أزماته الدورية إلا عبر الحروب التي لا تنتهي.