مليارديرات أمريكا يتناحرون لنهب أوروبا
ترجمة: هيفاء علي
عن موقع ريزو انترناسيونال 12/8/2018
ثمّة سباق شرس يجري الآن في الولايات المتحدة بين معسكرين للسيطرة على سياسة أوروبا. أحدهما بقيادة الملياردير جورج سوروس، والآخر بقيادة الملياردير ستيف بانون، مدير الحملة السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي قاد منذ فترة طويلة المليارديرات الليبراليين الأمريكيين للسيطرة على أوروبا.
فمن جهة يدّعي بانون الذي ينظم فريقاً من المليارديرات الأمريكيين المحافظين لانتزاع السيطرة من المليارديرات الليبراليين أنه يمثّل مصالح الشعب، بينما يدّعي سوروس أنه يمثل المصلحة العامة، لذلك سيتقاتل هذان النموذجان من “المحسنين” من أجل السيطرة على الأسواق أو المؤسسات السياسية الأوروبية!.
إنها معركة تخدم “العامة” أو “الشعب” وفق ما يزعم المعسكران، لكن في الواقع هي نموذج سياسي للقتال من أجل ضمان أوروبا في حرب المليارديرات الأمريكيين ضد روسيا، والتي يريد الطرفان التراجع عنها، ولكن من منظور إيديولوجي مختلف، أحدهما “ليبرالي” والآخر “محافظ”.
مثلما يوجد استقطاب سياسي ليبرالي ومحافظ بين المليارديرات داخل الدولة، هناك أيضاً استقطاب سياسي فيما يتعلق بالسياسات الخارجية لأمتهم، لا أحد منهم تقدمي أو يساري. لكن الشعبوية الوحيدة التي يروّج لها حالياً هي “الشعبوية اليمينية”، وهو معسكر بانون، “كان ستالين من اليسار الشعبوي، وكان هتلر من اليمين الشعبوي”.
يقوم كلّ معسكر بشيطنة المعسكر الآخر وتشويه صورته أمام الشارع الأمريكي من أجل السيطرة على حكومة الولايات المتحدة، لكنهما يتنافسان الآن ضد بعضهما البعض دولياً للسيطرة على العالم. نموذجان مختلفان: الليبرالية مقابل المعسكر المحافظ، كلاهما يدعمان “الديمقراطية” أو “الحلفاء”. وكلاهما يدعم انتشار هذه “الديمقراطية” عن طريق غزو واحتلال الدول “الأعداء” التي يطلق عليها في أوروبا “الإمبريالية”؛ بينما يطلق عليها في أمريكا “المحافظون الجدد”، لكن لا يوجد ملياردير أمريكي يعارضهما بشدة، لأن معارضة ذلك ستكون معارضة الأرستقراطية نفسها.
بعد الحرب العالمية الثانية، سيطر المليارديرات الأمريكيون على أوروبا الغربية، وبعد عام 1990، عندما وصل الاتحاد السوفييتي، وشيوعيته، وحلفه “وارسو” العسكري إلى نهايته، سيطروا على كامل أوروبا. فعلوا ذلك ليس من خلال توسيع منظمة حلف شمال الأطلسي بعد عام 1990 فقط، ولكن أيضاً من خلال إنشاء الاتحاد الأوروبي عام 1950 كجهد مشترك بين المليارديرات الأمريكيين والأوروبيين وعملائهم، جميعهم معادون للروس أو كما قال الجميع في ذلك الوقت “مناهضون للشيوعية، بهدف الغزو والسيطرة وقبل كل شيء استيعاب جميع حلفاء روسيا ومن ثم استيعاب روسيا نفسها، وأخيراً سيطرة عالمية كاملة.
خطة نهب أوروبا من قبل اليمين المتطرف:
انتقل بانون إلى أوروبا لإنشاء مؤسسة “الحركة” للتنافس مع جورج سوروس، وإطلاق العنان لتمرد يميني عبر القارة. قرّر ستيف بانون مواجهة جورج سوروس وإطلاق ثورة يمينية فيها. وقال كبير مستشاري ترامب السابق للبيت الأبيض لصحيفة “ديلي بيست” إنه ينشئ مؤسسة في أوروبا تُسمّى “الحركة” التي يأمل أن تقود تمرداً شعبوياً يمينياً عبر القارة من خلال انتخابات البرلمان الأوروبي المزمعة في الربيع المقبل.
لقد أمضى بانون حياته المهنية كوكيل لمليارديرات أمريكيين مختلفين، وآخرهم لأولئك الذين أيّدوا دونالد ترامب في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، وبالتالي اشتروا ترشيح الحزب له. في حين كان العقل المدبر وراء حملة هيلاري كلينتون الديمقراطية هو الرئيس التنفيذي لشركة غوغل إريك شميدت، لكن العقل المدبر وراء حملة دونالد ترامب كان “ستيف بانون” استأجره عالم الرياضيات الملياردير وزعيم الأسهم الخاصة روبرت ميرسر الذي جازف وعقد شراكة مع الملياردير، بيتر ثيل، رأس المال الاستثماري.
عقب فوز ترامب بالترشيح، بقي بانون وتمّ تمويل عمليته إلى حدّ كبير من قبل الزوجين المليارديريين الأمريكيين، ميريام وشيلدون أديلسون. لكن جميع المليارديرات الجمهوريين “اليهود والمسيحيين الإنجيليين وحتى البعض الآخر” كانوا من كبار المؤيدين لـ”إسرائيل”. و”إسرائيل” بالطبع حليفة آل سعود، الذين يحكمون السعودية. وتركز “إسرائيل” وآل سعود على تدمير إيران أكثر من تركيزهم على تدمير روسيا، الهدف الرئيسي للأرستقراطية الأمريكية، ذلك أن المليارديرات الأمريكيين مهووسون بغزو روسيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لقد كان الاتحاد الأوروبي مشروعاً دائماً لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، كما كشفت صحيفة التلغراف، إذ موّلت المخابرات الأمريكية سراً الحركة الأوروبية لعدة عقود وعملت بقوة وراء الكواليس لدفع بريطانيا إلى المشروع.
وقاد وليام ج. دونوفان، قائد مشروع الاتحاد الأوروبي، الجبهة الرئيسية لوكالة المخابرات المركزية من خلال لجنة الولايات المتحدة من أجل أوروبا الموحدة (ACUE) التي يضمّ مجلس إدارتها والتر بيديل سميث وألين دالاس، ومدير وكالة المخابرات المركزية في الخمسينيات، إضافة إلى مسؤولين سابقين في جمعية SOSS دخلوا وخرجوا من الـ CIA. وفي وقت لاحق، تمّ تكليف، بيل دوفان، القائد الأسطوري في زمن الحرب لتنسيق مشروع الاتحاد الأوروبي. وتظهر الوثائق أن اللجنة الأمريكية من أجل أوروبا تعاملت مع بعض “الآباء المؤسسين” للاتحاد الأوروبي كمرتزقة ومنعهم بشكل فعّال من إيجاد تمويل بديل من شأنه أن يكسر التبعية لواشنطن. نجحت إعادة البناء السياسي لأوروبا، لكن وفي الوقت نفسه جنّدت وكالة المخابرات المركزية الآلاف من النازيين والفاشيين كعملاء سريين في أوروبا جمعتهم سراً ووفرت لهم الحماية التامة في نهاية الحرب العالمية الثانية.
منذ البداية، كان الاتحاد الأوروبي وسيلة لفرض سيطرة الشركات الأمريكية الدولية على الأوروبيين لصالح الشركات الأمريكية، وليس من أجل ديمقراطية حقيقية. هذه الرؤية المؤيدة للإمبريالية هي امتداد لـ”سيسيل رودس” في أواخر القرن التاسع عشر للسيطرة تدريجياً على العالم كله. عمل جورج سوروس بشكل حثيث على هذا الهدف، بينما يقف ستيف بانون ضد هذه النظرة “الدولية”، ويفضّل عليها وجهة النظر “القومية”، ولكن في النسختين الليبرالية والمحافظة، سيأخذ المليارديرات الأمريكيون نسبة متنامية من الثروة العالمية.