الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

عودة للمعارضة

 

عبد الكريم النّاعم
أعود مرّة أخرى للكلام عن نوع معيّن من المعارضة، وأعني تحديدا الذين حُسبوا زمناً طويلا على تشكيلات اليسار في سوريّة، وبعضهم حقّق حضوراً على الساحتين الثقافيّة والسياسيّة، وكان يُشار إليهم بالبنان، وفي التوضيح أكثر أقول إنّ الموضوع خاصّ بالذين التحقوا منذ اندلاع الحريق العربي بالصفّ الدّاعي لا إلى الإصلاح فقط، بل بلغ بالبعض أنّه نادى بإسقاط “الدّولة”! وهو أمر أخطر من إسقاط النّظام بما لا يُقاس.
لابدّ من إشارة التحيّة للمعارضة التي حافظت على وضوح الرؤية، فطالبت بالإصلاح، والديمقراطية، والتقدّم، دون الانزلاق للوقوف على أرض واحدة مع قوى اليمين الوهّابيّة، والتي بدا منذ اللحظات الأولى أنّها هي التي تقود، وتموّل، وتحدّد المسارات، ولم تغب هذه الرؤية إلاّ على الذين تعاموا، وكان شعارهم ليسقط النظام، وليأت الشيطان!.
يتساءل الكثيرون أمثالي عن واقع المعارضة التي قادها الرجعيّون الوهّابيون من جهة، والمخابرات الغربيّة، وفي مقدّمتها المخابرات المركزيّة الأمريكيّة، من جهة أخرى، تُرى بعد كلّ ذلك الافتضاح هل يغطّي تلك السوءة أن يقول أحد دهاقينها البارزين في معارضتهم، في تصريح له: “لقد ضحكتْ علينا أمريكا”؟ هل هذا يكفي، وهل يغسل كلّ الدّناسات التي لحقتْ بأصحابها؟!.
أحد الأصدقاء، في معرض تناول هذه المسألة قال لي: “هؤلاء يقبضون الآن بالدّولار، ويعيشون في فنادق النّجوم الخمس، والإمام عليّ كرّم الله وجهه يقول: “الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة”.
قلت: “الإمام الجليل الذي تذكر قال ذلك عن الذين يغتربون بحثا عن تحسين أحوالهم المعيشيّة، وليس عن الذين تنكّروا لكلّ القيم والأعراف الوطنيّة، حتى وصل الحال بالبعض إلى زيارة إسرائيل، فأيّ يسار هذا؟! هل كانوا يساريّين حقاً؟! إنّ اليساري الحقيقي، الوطني لا ينحدر إلى هذه الهوّة إلاّ إذا كان أصلاً مستعدّا للبيع والمساومة، فهو يبيع المبادئ والقيم كما يبيع أيّ شيء تالف يملكه.
أحدّث نفسي أحيانا فأقول هل يأتي زمان يستيقظ فيه شيء من الوجدان، في واحد من هؤلاء، فيكتب عن حقائق ما رأى، وما سمع، وما جرى بالتفصيل؟. ليت أحدهم يفعلها لتبقى وثيقة للأجيال القادمة، وليكشف دقائق لا يعرفها بتفصيلاتها إلاّ الذين عايشوها منهم.
في السياق لابدّ من تقديم التحيّة مرّة أخرى للذين لم تجرفهم أحقادهم، ولا غضبهم، من معارضين وطنيّين أصلاء، فوقفوا للدفاع عن بنيان المجتمع والدولة، اللذين كانا مستهدفين في الصميم، فعلوا ذلك دون أيّ تنازل عن شيء من مبادئهم، ولم، ولن يطلب أحد منهم شيئاً من ذلك.
تلك المرحلة يبدو أنّها قد اندحرتْ بفعل دماء الشهداء، وإرادة المقاتلين كحلف واحد، وسنكون أمام إعادة بناء الداخل، وهي معركة لا تقلّ حساسية وخطورة عن المرحلة الدمويّة السابقة، وتحتاج إلى جهود جبّارة، وإرادة لا تلين، ولا تساوم، في ظروف طغى فيها الفساد والإفساد حتى عمّ وطمّ.
aaalnaem@gmail.com