دراساتصحيفة البعث

حملة شعواء ضد جيرمي كوربين

 

ترجمة: هيفاء علي

عن لو غراند سوار 25/8/2018

جيرمي كوربين هو مثال الرجل اليساري الذي كافح طوال حياته من أجل القيم التي يؤمن بها. وكوربين وفق ما يصفه ساسة اليسار رجل شجاع، صوّت 553 مرة في البرلمان ضد مواقف حزبه وثار ضد قيادته: صوّت ضد الحرب على العراق، ضد الأسلحة النووية وضد الحكم البريطاني في أيرلندا الشمالية. شارك بنشاط في منظمة العفو الدولية ضد أوغستو بينوشيه، وتمّ اعتقاله خلال مظاهرات مناهضة للفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

وكرجل يحمل هذا الضمير الأخلاقي ومثل هذه الشجاعة، لم يكن بإمكانه الذهاب إلى أي مكان في “إسرائيل” باستثناء كسر الصمت. في بريطانيا، لديه فرصة قوية لانتخابه رئيساً للوزراء، فليس هناك ما هو أكثر متعة من تصوّر هذا الاحتمال، أي شخص يريد أن يرى العالم يتحرك ضد الاحتلال الإسرائيلي يجب أن يحلم بقدوم كوربين.

أصبح كوربين العدو الجديد لليهود، أما رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي وصف اللاجئين الفلسطينيين بـ”المسلمين الغزاة” فهو رجل “بار” بين الأمم، لأن القانون الأمريكي هو صخرة “إسرائيل” ومنقذها، ورودريغو دوترت، الزعيم الفلبيني الذي دعا لقتل الملايين من الناس “مثل هتلر” هو المرحب به في “إسرائيل”، أما  كوربين فهو عدو الشعب بنظر “الإسرائيليين”.

أطلقت المؤسسة اليهودية في بريطانيا والدعاية “الإسرائيلية” حملةً شعواء لمنع البريطانيين من انتخابه موجهةً له تهمة معاداة السامية: “إنه معاد للسامية، وحزب العمّال معاد للسامية، ما يجعل اليهود في بريطانيا عرضة “لخطر الوجود”، كما ادّعت ثلاث صحف بريطانية يهودية في افتتاحية مشتركة. ورغم أن وضع أي يهودي في بريطانيا هو أفضل وأكثر أمناً، أكثر حريةً وأكثر مساواةً من أي مواطن عربي، وأفضل بكثير من وضع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، فقد أثارت الدعوة لمساعدة  المؤسسة اليهودية ضجةً كبيرة ضد كوربين.

وسرعان ما انضمّت الصحافة “الإسرائيلية” إلى حملة التحريض، واصفة كل التصريحات العمالية بمعاداة السامية. فقد وصف عضو في الحزب العمالي “بيتر ويلزمان”، الحاخامات الذين اتهموا حزبه بمعاداة السامية “باليهود المتعصبين لترامب”، ومعاداة السامية! بعض المعلقين اتهموا كوربين بأنه يغالي في التبرير لنفسه، والبعض الآخر لم يبرّر بما فيه الكفاية، حتى الصحافية الشابة “أنطونيا يامين” سارعت للانضمام إلى حملة التضليل والتحريض هذه.

حقيقةً، إن كوربين خصم قويّ ومتشدّد لسياسة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا من حقه ومن واجبه الأخلاقي بوصفه رجل اليسار الصادق والمخلص. لكن على هوامش حزب العمال، يوجد بلا شك دوائر معادية، على الرغم من إشارة كوربين قبل أيام في صحيفة “الغارديان” إلى أنه لا مكان لتلك الدوائر في حزبه. ومحاولة حزب العمال إعطاء مصطلح معاداة السامية تعريفاً أضيق من التعريف الحالي للمحرقة الدولية، لا تجعله بالضرورة حزباً مناهضاً للسامية. ولكن الدعاية اليهودية “الإسرائيلية” محبوكة بقوة: عندما ينتقد أحد ما  القانون “الإسرائيلي” حول الفصل العنصري وقتل 160 من المتظاهرين الفلسطينيين العزل في الحدود مع قطاع غزة، فإن ردّها الوحيد هو اتهام منتقديها بمعاداة السامية ما يسمح لـ”إسرائيل” بالانتقال من الجاني إلى المجني عليه.

لقد سنّت “إسرائيل” قانوناً يقول إنها الدولة القومية للشعب اليهودي. بعبارة أخرى، كل ما تقوم به “إسرائيل” باسم الشعب اليهودي يمرّ دون عواقب. وعندما يقتل قناص “إسرائيلي” رجلاً على كرسي متحرك وممرضة، فإنه يفعل ذلك نيابةً عن جميع اليهود. ونتيجة لذلك، فإن سياسة “إسرائيل” تغذي معاداة السامية في جميع أنحاء العالم. وعليه ينبغي انتقاد هذه السياسة، كما يفعل حزب العمال البريطاني، وكوربين، اللذان وصفا أي انتقاد لمعاداة السامية بالأمر الشائن. وهذا يزيد من معاداة السامية والشعور بأن اليهود يتصرفون كطغاة يستخدمون الابتزاز العاطفي ويسيئون استخدامه.

قال حاجو ماير، أحد الناجين الهولنديين من الهولوكوست، والناشط في مجال حقوق الإنسان: “في الأيام الخوالي، من كان معادياً للسامية كان رجلاً يكره اليهود، واليوم، من يعادي السامية هو رجل أيضاً يكرهه اليهود”. أوقفوا حملة التحريض ضد كوربين الذي يستحق منصب رئاسة الوزراء لأنه رجل مخلص وصادق وذو ضمير حيّ.