أخبارصحيفة البعث

لعبة “ما قبل” إدلب..

د. مهدي دخل الله

وصل “السجال العسكري” المباشر بين موسكو وواشنطن حول إدلب حداً لم يصل إليه منذ الحرب الكورية في بداية الخمسينيات أو منذ أزمة الصواريخ في كوبا بداية الستينيات..

بل إن هذا السجال اليوم أكثر حدة وخطورة من الحالتين السابقتين بسبب الحضور المباشر للقوتين الأعظم على أرض صغيرة نسبياً هي الأرض السورية وما يجاورها من بحر. وعلى الرغم من أن وجود الروس شرعي ووجود الأمريكيين غير شرعي، إلا أنهم موجودون بشكل عملي وواقعي..

ما يهمنا- نحن السوريين- أن إدلب أرض سورية، ولن نسمح لأحد أن يقرر مصيرها غيرنا أو من دوننا، لأن الاستقلال وتقرير المصير ديدننا، بل إننا الوحيدون في هذا الوطن الكبير من المحيط إلى الخليج القادرون على تقرير مصيرنا بأنفسنا، يؤكد ذلك صمودنا في حرب ليست كالحروب طوال سنوات سبع..

لكن الحرب علينا أضحت مفصلاً تاريخياً لانتقال نوعي في العلاقات الدولية، وهذا يتطلب منا قدراً كبيراً من الحكمة في التعامل مع العناصر المتشابكة في هذا الانتقال التاريخي، وهي حكمة تميّز بها الرئيس الأسد عن غيره من حكام العرب…

التهديد الأمريكي المرفق باستعراض للقوة في البحر هو نوع من أنواع “الموسيقا البائسة” المرافقة للأغنية أو اللعبة الخطرة، وقد أضحت هذه “الموسيقا البائسة” نكتة سمجة جداً بعد أن تكررت في الغوطة وغيرها من الأماكن.

إن التركيز الروسي على متابعة الأوضاع والتنبيه إلى مخاطر ما تقوم به واشنطن هدفه الردع لأن الرعونة التقليدية في تصرفات الولايات تجعل كل شيء ممكناً..

لكن الردع لا يقتصر على الترقب الروسي واهتمام موسكو بخطورة الوضع، وإنما  -أساساً- على القوة الدفاعية السورية، وقد جربتها واشنطن وتعرفها تماماً، حيث أسقطت دفاعاتنا الجوية غالبية المئة وخمسة صواريخ أمريكي في آخر عدوان علينا، وهو ما جعل أمريكا تتوقف عن المتابعة في إرسال السبعمئة صاروخ الباقين..

لعبة “ما قبل” إدلب مجرد إعادة لسيناريوهات سابقة، وقد تقوم واشنطن بعدوان خاطف علينا لا لمنعنا من تحرير إدلب، فهذا أمر مستحيل، وإنما لكسب ماء الوجه أمام العالم. بالنسبة لنا قد يكون هذا أحد أجزاء الثمن الباهظ الذي ندفعه لتحرير بلدنا، كل شبر من بلدنا، بما في ذلك الجولان الذي طال انتظاره..

هذا الثمن أقل بكثير من الثمن الذي يدفعه جيراننا في إطار تبعيتهم، حيث يتلقون الأوامر بالهاتف كما اعترف وزير الدفاع القطري، وحيث “يُعتقل” رئيس وزراء، ويجبر على الاستقالة من الخارج وهو في الإقامة الجبرية، ولا يفرج عنه إلا بعد قدوم رئيس فرنسا نفسه لطلب الإفراج عنه..

أي فرق بيننا وبينكم؟؟.. وكيف لا تخجلون من الكاميرات والصحفيين، وتتشدقون بتصريحات فارغة؟ أما نحن السوريين الوطنيين، والعروبة جوهر وطنيتنا، فإن ندنا هو الولايات المتحدة نفسها، وكفانا بهذا فخراً.

mahdidakhlala@gmail.com