دراساتصحيفة البعث

مشكلة الجيش الأمريكي ليست روسيا أو الصين

ترجمة: عناية ناصر

عن موقع ناشونال انترست 25/8/2018

تسخر أمريكا في الوقت الحالي من الصين باتخاذها إجراءات خطيرة لا داعي لها، وتستفزّ روسيا على حدودها بالعمليات العسكرية التي لا تدعم الأمن الأمريكي، وتوسّع دعمها العسكري للدول الصغيرة التي يمكن أن تجرها إلى حرب لا ينبغي لها خوضها، وتشترك في العمليات القتالية النشطة في عشرات الدول التي لا تتعرّض فيها المصالح الأمنية الأمريكية للخطر، ما يعني ضرورة إجراء إصلاح عاجل وموضوعي وفوري في الطريقة التي تدير بها الولايات المتحدة سياساتها.

انضممت إلى الجيش الأمريكي في منتصف الثمانينيات وتقاعدت في عام 2015، وخلال ذلك الوقت شاركت في معارك بالدبابات عالية الكثافة، وفي عمليات مكافحة التمرد الكلاسيكية، وفي قوات عسكرية أجنبية مدرّبة خلال الحرب الباردة، وكنت خلال ذلك أيضاً طالباً متعطشاً للتاريخ العسكري. لقد زرت عشرات ساحات القتال في جميع أنحاء أوروبا وروسيا وآسيا والشرق الأوسط، ودرست المعارك والحروب التي تعود إلى 400 قبل الميلاد. أحد الاستنتاجات التي توصلت إليها هو أن القوى العظمى سقطت لأنها أصبحت تتوهم أنه لا يمكن هزيمتها.

بلا شك، لدينا أعظم قوة جوية وبحرية عرفها العالم. نحن القوة العالمية المسيطرة، عسكرياً واقتصادياً، والكثير من قوة أمريكا تعتمد على الأسلحة الحديثة والتكنولوجيا التي تمكّنها من الهيمنة، لكن اعتمادنا على التكنولوجيا سيف ذو حدين.

إذا استخدم أحد الخصوم في يوم من الأيام أسلحة فضائية لمحاربة قواتنا البحرية والاستخبارات التابعة لنا، فسوف نعاني من خسارة كبيرة وفورية لقدراتنا العسكرية، وسيكون العديد من أسلحتنا الدقيقة عديم الجدوى، وقد تتعطّل قدرتنا على التنقل على الأرض، وفي الجو، وفي المحيطات بشكل مؤقت. وسوف تتعطّل الاتصالات، حتى على المستوى التكتيكي، فإن قدراً كبيراً من قوتنا القتالية الأرضية يعتمد على القدرة على تبديد الوحدات والقدرة النارية، والقدرة على خوض المعارك الكبيرة، ويتطلّب كل ذلك قدرة على التواصل عبر مسافات بعيدة.

نحن نعلم أن الصين وروسيا ظلتا تعملان لسنوات من أجل تطوير القدرة على إضعاف أو خداع أو تدمير الأقمار الصناعية الأمريكية. ومع ذلك، فإن ما لا نعرفه قد يكون الأكثر إثارة للقلق!.

منذ الجزء الأخير من الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة دائماً أول من طوّر أسلحة جديدة، وقد أنتجت دائماً الأجيال الأحدث من إصدارات المتابعة للبقاء في الصدارة، لكن تاريخ الحروب على مدى آلاف السنين يثبت أن ذلك هو شرط مؤقت.

يجب أن نتوقع أن تقوم قوة عالمية أخرى يوماً ما بتطوير فئة جديدة من الأسلحة أو القدرات لم نشهدها من قبل، والتي ستسمح لها إما بتحييد أقوى أسلحتنا الهجومية، أو التي لن تكون أفضل دفاعاتنا كافية لمواجهتها. في ذلك اليوم، قد نكتشف فجأة أن القدرات التي اعتمدناها هوية لأمتنا لم تعد مهيمنة كما كانت على مدى القرن الماضي. إن الحفاظ على مركزنا كقوة عالمية مهيمنة يتطلّب تغييرين فوريين.

أولاً، يجب أن ندرك أن هناك حدوداً للقوة، إذ لا يمكننا استخدام القوة العسكرية أو التهديد باستخدامها باستمرار في محاولة لإجبار منافسينا أو خصومنا على الخضوع لرؤيتنا، وقد تكون هذه أسباباً واضحة في إثارة الخوف من أمريكا وزيادة الحوافز لخصومنا لزيادة الأبحاث وتطوير الإجراءات المضادة.

ثانياً، يجب الحفاظ على قوتنا. فقد أمضينا عقدين من الزمن في إبعاد قوتنا العسكرية عن التركيز على مواجهة المعارك الوجودية المحتملة لنصبح أسياد الحروب الصغيرة وحروب المقاومة المضادة.

في هذه العملية، استهلكنا معدات القتال، وأنفقنا تريليونات من الديون لتمويل العمليات القتالية غير الضرورية وغير المنطقية، وشهدنا تدهوراً حقيقياً في المهارات القتالية التقليدية التي تحتاجها قواتنا لمواجهة خصوم تقليديين أقوياء.

لقد أدّى الإفراط في استخدام قدراتنا العسكرية والخسائر في قدراتنا على مدى العقدين الماضيين إلى تآكل هيمنتنا العسكرية العالمية التي كانت مطلقة في يوم من الأيام. ولإعادة ردم هذه الفجوة الكبيرة وزيادة الأمن الشامل لبلدنا، يجب علينا الحفاظ على قوتنا بشكل أفضل، والبدء فوراً في الحدّ من عملياتنا القتالية النشطة وغير الضرورية إلى حدّ كبير في جميع أنحاء العالم، والنجاح في ذلك سيزيد من أمننا القومي، إلا أن الحفاظ على الوضع الراهن سوف يفضي إلى تآكل قوتنا وزيادة الفرص التي قد تقودنا يوماً ما إلى هزيمة عسكرية صريحة.