دراساتصحيفة البعث

عقوبات أمريكا تقتل أطفال اليمن والعالم

 

ترجمة: سمر سامي السمارة

عن موقع: انفورميشن كليرنك هاوس 24/8/2018

في كل مرة حين يلقي مسؤول في إدارة ترامب مواعظ حول أمر ما، ينبغي أن تُظهر شاشة تلفزيونية في الوقت نفسه مشاهد الدفن الدامية لأطفال يمنيين قتلتهم الطائرات الحربية السعودية التي زوّدتها بها الولايات المتحدة.

ليس أطفال اليمن فحسب، ماذا عن الأطفال الذين يتضورون جوعاً في كوريا الديمقراطية بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية؟ والأطفال السوريين الذين أجبرهم المسلحون المدعومون من الولايات المتحدة على ترك منازلهم والعيش في مخيمات للاجئين، أو الأطفال الإيرانيين الذين يواجهون الخسائر الفادحة التي أوقعتها السياسات الأمريكية الانتقامية؟.

ليست إدارة ترامب فحسب، فقد أظهرت كل الإدارات الأمريكية القدرة الوحشية على قتل الأطفال بشكل جماعي، إما من خلال الحرب أو الحصار الاقتصادي. لنفكر في كوبا التي تحاصرها واشنطن منذ ما يزيد عن خمسة عقود لمجرد أن حكومتها اشتراكية، ولنتذكر وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت التي قالت صراحة إن إقرار العقوبات التي أدّت إلى قتل الأطفال العراقيين “يستحق كل هذا العناء”.

قُتل على مدار السنوات الثلاث الماضية آلاف الأطفال في اليمن بسبب الضربات الجوية في الحرب التي تدعمها الولايات المتحدة على هذا البلد الفقير، وتتحمّل واشنطن مسؤولية تزويد السعودية بالصواريخ والقنابل والطائرات الحربية، وتوفير الدعم اللوجستي الذي يودي بحياة الآلاف من اليمنيين.

لذا عندما يقف الرئيس ترامب والمسؤولون في إدارته مثل السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي، أو مستشار الأمن القومي جون بولتون، أمام الكاميرات ويحاضرون للدول الأخرى عن “الانتهاكات” و”الحاجة إلى تغيير أنماط سلوك هذه الدول”، سيجد مشاهدو التلفاز حول العالم أنه من المفيد أن يضعوا في عين الاعتبار في الوقت نفسه، الرعب الذي يتحمّل مسؤوليته هؤلاء المسؤولون الأمريكيون أنفسهم في اليمن وأماكن أخرى.

ويمكننا أيضاً إضافة مسؤولين بريطانيين للفضح العلني، بسبب دور حكومتهم البارز بإمداد السعودية بالذخائر الهجومية في اليمن، فقد حقّقت شركات الأسلحة البريطانية أرباحاً طائلة منذ شنّت السعودية حربها في آذار  2015 ولم تردع المجازر الأخيرة بحق الأطفال وزير الخارجية البريطاني “جيريمي هنت” من تبرير تصدير الأسلحة إلى السعوديين.

إن لم تكن أسلحة الحرب، فإن العقوبات الاقتصادية الأمريكية مسؤولة أيضاً عن قتل أعداد لا حصر لها من الأطفال حول العالم، وقد حذّرت الأمم المتحدة ووكالات المساعدات الإنسانية المختلفة مؤخراً من مواجهة كوريا الديمقراطية “أزمة غذائية” بسبب تعزيز واشنطن فرض العقوبات بموجب مايُسمّى “سياسة الضغط القصوى”.

وبحسب تقدير الأمم المتحدة يصل عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في كوريا الديمقراطية إلى 20 بالمائة. ببساطة لا يرجع سبب الأزمة الإنسانية المخيّمة للإخفاقات السياسية لحكومة كوريا الديمقراطية أو الانعزالية المزعومة، كما ادّعت صحيفة واشنطن بوست، وبحسب الصليب الأحمر الدولي تتعرّض البلاد لخطر
أزمة غذاء كاملة، لأن الحصار المشدّد الذي فرضته واشنطن على الشحن والخدمات المصرفية أدّى إلى شلّ إمدادات المعدات الزراعية. ويستمر انتقام واشنطن من كوريا الديمقراطية على الرغم من الخطوة الكبيرة  لزعيم البلاد كيم جونغ أون في حزيران لإنهاء برنامجها النووي، وموافقة كيم على إعادة رفات الجنود الأمريكيين الذين قتلوا خلال الحرب الكورية 1950-1953، وتسهيل عمليات لمّ الشمل للعائلات الكورية التي فرقتها تلك الحرب.

عندما تمّ توجيه أسئلة لوزارة الخارجية الأمريكية عن تأثير العقوبات على انعدام الأمن الغذائي في كوريا الديمقراطية، أفادت التقارير الصادرة عنها باستمرار الإجراءات العقابية “إلى أن يتمّ تفكيك الأسلحة النووية”. قد تستغرق إجراءات عملية التفكيك سنوات لإتمامها، وفي غضون ذلك، من الواضح أن واشنطن ترغب في تجويع أطفال كوريا الديمقراطية حتى الموت بسبب “سياسة الضغط القصوى”!.

ويمكننا الجزم بأن حكومة الولايات المتحدة مسؤولة عن ارتكاب جرائم حرب بسبب دورها المتواطئ في تنفيذ غارات جوية عشوائية في اليمن، فضلاً عن وحشيتها بحصارها الاقتصادي لكوريا الديمقراطية، وكانت الولايات المتحدة  قد حاصرت كوبا بوحشية لأكثر من 50 سنة، وتفرض حالياً عقوبات مماثلة على عدة دول أخرى، مثل سورية وفنزويلا.

تريد واشنطن توسيع عدوانها الاقتصادي على إيران وروسيا للحدّ من قدرتها على ممارسة التجارة الدولية. وعلى الرغم من أن اقتصاد روسيا قد يكون قوياً بما يكفي لتحمّل الضغط، فإن المبدأ الخبيث هو نفسه: إلحاق الضرر بسبل معيشة الناس وصحتهم، ولاسيما الأطفال الأكثر ضعفاً. ومؤخراً هدّد جون بولتون مستشار ترامب للأمن القومي إيران بأن الولايات المتحدة ستقوم بالتصعيد بشكل أكبر “حتى يغيّر النظام سلوكه”.

ويستمر اليوم استخدام أساليب العصور الوسطى المتمثّلة في الحصار المفروض على السكان لتجويعهم للاستسلام كحق أميركي، هذا الاستخدام الشائن للإكراه هو بالطبع انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي.

ولجعل الوضع أكثر ترويعاً، سمع العالم الرئيس ترامب وهو يرثي أطفال سورية بعد الهجوم المزعوم بالأسلحة الكيماوية على دوما في 7 نيسان من العام الماضي، ملقياً اللوم على القوات الحكومية السورية ليبرّر شنّ غارات جوية على البلاد. وقد تبيّن أن ما حصل لم يكن سوى  استفزاز بشع من قبل الإرهابيين المدعومين من الولايات المتحدة وعملائها المعروفين باسم “الخوذ البيضاء”.

إن الازدواجية الأخلاقية الصارخة للحكام الأمريكيين تشير إلى أنه لم يعد لديهم السلطة للتحدث عن أي شيء، في كل مرة يفتحون فيها أفواههم، يجب عرض صور المجازر في اليمن ، أو أي مكان آخر على شاشات التلفاز، مع تحذير عام بأن معّتلاً اجتماعياً وكذاباً مكشوفاً على وشك إلقاء مواعظ!.