دراساتصحيفة البعث

بريطانيا واستراتيجية التفاوض الضعيفة

 

ترجمة: البعث

عن موقع الأبزيرفر  26/8/2018

لشهور عدة، كان خبراء التجارة ومنظمات الأعمال، وحتى الخزانة، يحذّرون من كارثة خروج بريطانيا من “بريكست”. ولشهور عدة، تجاهلت رئيسة الوزراء ومعظم وزرائها تلك التحذيرات.

لكن أخيراً، نشرت الحكومة الشريحة الأولى من إشعارات عدم التعامل، والتي تنصّ على المشورة بشأن التحضير للخروج من “بريكست” من دون صفقة، ولم تعترف الحكومة بأن عدم التوصل إلى صفقة سيكون كارثة. ويبدو أن الامتناع المعياري “لا صفقة أفضل من صفقة سيئة” هو الذي يتحكّم بصانع القرار، بغض النظر، سواء أكان رئيسة الحكومة أم لجنة المستشارين.

“إن مؤسساتنا ستكون جاهزة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، صفقة أو عدم التوصل إلى صفقة”، هذا التأكيد جاء من سكرتير بريكست، دومينيك راب، إلا أن “الإشعارات التقنية” التي تدّعي السخاء تخون واقعاً مختلفاً، فالشركات الضخمة والمستهلكون سيواجهون في حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أياماً عصيبة، إذ ستواجه الأعمال التجارية عقبات إدارية متعدّدة، وستكون هناك طبقة على طبقة من البيروقراطية الإضافية. لقد تمّ نصح الشركات الطبية بتخزين الأدوية لمدة ستة أسابيع على الأقل، لأن المستهلكين قد يواجهون معاملات ببطاقات ائتمانية أكثر تكلفة مع تجار التجزئة في القارة، ويمنع المزارعون العضويون صادراتهم إلى الاتحاد الأوروبي لمدة تسعة أشهر وهم ينتظرون موافقة الاتحاد الأوروبي على هيئات التصديق العضوية في المملكة المتحدة. هذه هي فقط بعض الحقائق الصارمة التي ستنتج معاً السعر السنوي الذي تبلغ قيمته 80 مليار جنيه إسترليني من صفقة “بريكست” التي لا تقدّرها وزارة الخزانة.

ويخفّف تخطيط سيناريو الحكومة نفسها اثنتين من الحجج الرئيسية التي تقدّم بها “بريكست” أثناء حملة الاستفتاء. قيل للناخبين إن مغادرة الاتحاد الأوروبي ستسمح لبريطانيا باستعادة السيطرة، لكن الإشعارات الفنية توضح مدى سيطرة بريطانيا على صفقة خروج بريطانيا من الصفقة. ومن أجل الحفاظ على إمدادات الغذاء والطاقة والأدوية، تقول الحكومة إنها ستضطر إلى إلغاء لوائح الاتحاد الأوروبي. هذا هو أول اعتراف بأن بريطانيا، سواء غادرنا من دون صفقة أو بقينا جزءاً من السوق الموحدة، سوف تتحول من صانع القاعدة إلى مقرر الانتخابات كنتيجة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وذلك قبل أن نحاول عقد صفقات تجارية مع شركات عملاقة مثل الولايات المتحدة، والتي سوف تصرّ على فرض لوائحها المتساهلة في مجالات مثل المواد الغذائية على المستهلكين البريطانيين.

والحقيقة هي أن خيال “بريكست” لاستعادة السيطرة يعود إلى زمن حكمت فيه بريطانيا الأمواج. لا يوجد شيء مثل السيادة الوطنية على طراز القرن التاسع عشر في عالم مترابط، حيث يُبنى النجاح الاقتصادي على التجارة الدولية. ويكمن المستقبل في التعاون الحكومي الدولي، وليس أقل، والاتحاد الأوروبي، على الرغم من كل عيوبه، هو النموذج الأكثر وظيفية لذلك. والحقيقة هي أن المملكة المتحدة تتخلى عن عضويتها في أكبر كتلة تجارية في العالم، والتي مارست فيها نفوذاً حقيقياً لعقد من الزمان، مقابل فرض شروط التبادل التجاري من قبل حكومات أخرى.

ثانياً، وعدت “بريكست” بأن تغيير بروكسل سيؤدي إلى خفض الروتين. لكن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى زيادة هائلة في البيروقراطية، وليس فقط بالنسبة للشركات. وقال راب إن الأمر يتطلّب ما يصل إلى 16 ألف موظف مدني إضافي، أي نصف عدد الموظفين العاملين في المفوضية الأوروبية.

في هذه الأثناء، فإن اللغز المستحيل لما يجب فعله بشأن الحدود الايرلندية يبقى دون حل. ويحذّر هيرمان فان رومبوي، الرئيس السابق للمجلس الأوروبي، من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من خارج الصفقة من شأنه أن يخاطر بوحدة المملكة المتحدة.

لذلك فإن التظاهر المجنون بأن الجميع سيكونون على ما يرام في حال عدم التوصل إلى اتفاق هو نتاج المأزق السياسي المستحيل الذي تجده تيريزا ماي، وفي الوقت نفسه إن تحريك المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي إلى الأمام، يصبح أضعف من أي وقت مضى مع اقتراب الموعد النهائي للمادة /50/. وتؤكد الملاحظات الفنية على المدى الذي تختفي فيه خطة المدققين كنقطة بداية لتلك المفاوضات، وسيتطلّب من الاتحاد الأوروبي أن يفصل حرياته الأربع، التي قال إنه غير مستعد للقيام بها!.

ما يعني في النهاية أن إستراتيجية التفاوض البريطانية ترتكز على فكرة أن الاتحاد الأوروبي سيخسر بالقدر نفسه كمملكة بريطانية من عدم التوصل إلى اتفاق، وهذا يجبره على السماح للمملكة المتحدة باختيار أجزاء السوق الأحادية التي تحبها. ولكن في القول إن بريطانيا ستتبنى لوائح أوروبية من جانب واحد أملاً في أن يعيد الاتحاد الأوروبي الجميل، فإن الأوراق التقنية وضعت تلك الإستراتيجية، لكن الواقع هو أن الاتحاد الأوروبي في وضع أقوى ويمكنه أن يملي الشروط التي يريدها.