وقعت روايتها “شمس بيضاء باردة” كفى الزعبي: أطرح أسئلة الواقع العربي المأزوم
روائية أردنية تقيم ما بين الأردن وروسيا، اختارت دمشق ومعرض كتابها الذي أقيم مؤخراً في مكتبة الأسد الوطنية لتوقع روايتها الجديدة “شمس بيضاء باردة” الصادرة عن دار الآداب اللبنانية، وبيَّنت أن توقيع رواياتها في دمشق يعني لها الكثير، أولاً لأنها استطاعت أن تكون في دمشق بعد غياب طويل دام سنوات وقد اشتاقت إليها ولأصدقائها الكثيرين فيها، ولأن وجودها في دمشق أصبح يعني لها أنه بإمكانها المجيء إليها بعدما أوشكت الحرب فيها على الانتهاء بفضل الجيش العربي السوري الذي حقق انتصارات كبيرة، وأسعدها كثيراً أن الحياة عادت إلى سورية، وهذا ما لمسته من خلال معرض الكتاب الذي توافد إليه الكثيرون، مؤكدة أنها سعيدة بانتصار سورية الذي تراه انتصاراً لكل العرب الشرفاء.
شمس بيضاء باردة
وأكدت الزعبي أنها تطرح أسئلة جديدة في روايتها “شمس بيضاء باردة” لم يسبق أن تناولتها في رواياتها الخمس السابقة، وهي أسئلة لها علاقة بالسؤال الإنساني والوجودي والفكري الذي يطرحه إنسان عربي يعيش في واقع مأزوم فكرياً واقتصادياً وسياسياً، لتتفاقم هذه الأسئلة لديه ضمن سياق واقع يعيش صراعاً محتدماً بين معسكرين، أحدها مقاوم يدافع عن مشروع وحضور ووجود عربي، وآخر رجعي صهيوني يسعى إلى تدمير الجغرافيا وتقسيمها وتدمير الإنسان والثقافة العربية، مشيرة إلى أن الرواية لا تبحث بهذه الأسئلة على نحو مباشر وإنما تبحث في السؤال الوجودي ضمن هذا السياق، مبينة أنها في كل رواية تحاول أن تجرب شكلاً فنياً جديدا، وهذا ما حاولت تجريبه في هذه الرواية.
ليلى والثلج
“شمس بيضاء باردة” هي روايتها السادسة، ومع هذا بيَّنت أن الهمَّ في جوهره هو نفسه في كل الروايات، خاصة وأن مشروعها الأكاديمي هو مشروع نقدي، وبالتالي فإن كل ما تكتبه يدور حول تفكيك الواقع العربي ومحاولة فهمه والبحث في خلفيات ما يحدث.. من هنا فإن كل أعمالها التي كتبتها وإن اختلفت في الشكل الفني يبقى موضوعها في النهاية موضوعاً نقدياً، موضحة أنها تناولت في ليلى والثلج ولودميلا مرحلة انهيار الاتحاد السوفييتي الذي عاشت فيه لسنوات طويلة، وقد تناولت فيها الإنسان العربي في بنيته وتكوينه الثقافي كعربي وكيفية تعاطيه مع أسئلة مثل الحرية مقابل الروسي الآخر في تكوينه الثقافي، في حين تناولت في رواية “ابن الحرام” السلطة في مفهومها العام الثقافي والفكري والديني وكيف تشكلت وكيف تم اكتسابها في الواقع، أما في رواية “سين” فقد تناولت قضية المرأة في الواقع العربي، ليس من منظور جندري أو نسوي وإنما كضحية هي والرجل للبنية الثقافية والمنظومة الفكرية السائدة، مؤكدة أن مثل هذه القضايا هي التي تؤرقها ككاتبة ويهمها أن تكتب عنها، مع إشارتها إلى أنها لا تتناول قضايا فردية في كتاباتها ولا يستهويها طرح مثل هذه القضايا الذاتية.
هيكل عظمي
وتبتعد الزعبي -كما بيَّنت- عن السياسة، فرواياتها ليست سياسية رغم قناعتها أن كل موضوع يدخل فيه ما هو سياسي حتى لو كان الموضوع الذي يتناوله الكاتب قصة حب، فهذه القصة لا بد أن يكون بداخلها موقف، وهذا الموقف يفضي إلى موقف سياسي بشكل أو بآخر: “فعندما أريد أن أحكي عن شاب وفتاة أحبا بعضهما وافترقا بسبب الفقر فأنا هنا أشير إلى واقع اقتصادي وآخر سياسي”.. ومع هذا أكدت الزعبي أنها ضد الطرح المباشر وأدلجة الأدب، وهي تحرص في كتاباتها على عدم الانزلاق نحو ما هو مباشر وتوثيقي بفضل تقيدها بالشروط الفنية للعمل الأدبي، فهذا ما يعنيها وما هي مهتمة به أكثر من الالتزام بالفكرة على حساب الشرط الفني لأي عمل فني سواء في بنية الحبكة أو بناء الشخصيات أو تطور الحدث، منوهة إلى أن أي عمل فني له هيكل عظمي ويجب أن يبنى بشكل صحيح لأن بناءه بشكل خاطئ سيسقط الفكرة.. من هنا فإن التزامها بالشرط الفني للعمل الروائي وانتباهها الجيد هو الذي يحصنها من الانزلاق، وهذا ما يجعلها تهتم بما تحققه كتاباتها من متعة للقارئ، وهذا ما تسعى إليه بالدرجة الأولى لأنها في النهاية تُقَدِّم عملاً فنياً.
المرأة “س”
ولا تُفَكِّر الروائية كفا الزعبي بالشكل الفني الذي سيظهر به عملها لأن الموضوع الذي تطرحه هو الذي يفرض هذا الشكل الفني، فرواية “س” أشارت فيها إلى أن المرأة العربية هي أسيرة نص ثقافي وفكري سائد، ولذلك كانت البطلة في هذه الرواية تحاول الهروب من النص لتهرب من سلطة الروائية وما كتبته، ومن النص الروائي الذي كان يسجنها، وقد حاولت أن تتمرد على ما كُتِبَ لها محاولةً الخروج من نصها الذي هو أسيرها في الواقع حين مورست عليها سلطتان، سلطة المؤلف وسلطة الواقع، مبينة أنها أرادت أن تقول في هذه الرواية أن المرأة العربية وكذلك الرجل أسيران لنص تاريخي وفكري وديني سائد، وكان السؤال كيف يمكن أن نخرج من هذا الأسر؟ وطرحُ سؤال عبثي: “هل سنظل نحن من تأليف الكاتب؟ ومتى نستطيع أن نؤلف لأنفسنا؟”.
القضايا الكبرى
كما تؤمن الزعبي أن السينما والمسرح والشعر والقصة قادرة على طرح العديد من القضايا الهامة، إلا أن الرواية برأيها تفسح المجال لطرح الأسئلة والقضايا الكبرى لمساحتها الواسعة والمفتوحة، شرط أن لا تتحول الرواية بمساحتها الواسعة إلى مكان للثرثرة، منوهة إلى أن الرواية تاريخياً ومع ظهورها في القرون الوسطى في أوربا تتصدى للقضايا والأسئلة الكبرى، وكل الروائيين الكبار في أوربا تصدوا في أعمالهم لقضاياهم الكبيرة، ولذلك رأت أنه على الرواية العربية بالتحديد أن تتصدى للقضايا التي تعاني منها المجتمعات العربية، خاصة وأن الواقع العربي متخم بالقضايا الكبرى والأسئلة الفكرية والفلسفية، معترفة أن الرواية العربية وعلى أرض الواقع لم تنجح في فعل ذلك كما يجب، مع أن الكثير من الأعمال الروائية والعديد من الروائيين والكتّاب أمثال نجيب محفوظ-حنا مينه-غالب هلسا طرحوا أسئلة الإنسان العربي وما تعانيه المجتمعات العربية، ويحزنها اليوم كثيراً وجود إشكالية خطيرة تقوم على محاولة حرف الكاتب والمثقف العربي باتجاه الاهتمام بقضايا ذاتية وفردية تحت شعار الإنسانية بهدف تحييد الثقافة العربية وعزلها عن السياسة ومنعها من أي دور مؤثر وفاعل، موضحة أن المطلوب ليس كتابة ما هو سياسي بشكل فج، فهذا مرفوض بشكل تام بالنسبة لها، وهي المؤمنة أنه يمكن وعبر أي عمل حتى ولو كان إنسانياً أن يحمل موقفاً ما، لأن العمل الأدبي برأيها إذا لم يُختَزل بموقف سياسي على أرض الواقع فهذا يعني أن الكاتب يتجه للمساحة التي يتم العمل عليها لتحييده عن اتخاذ موقف جذري يعبّر فيه عن كل مواقفه الإنسانية والجمالية والأخلاقية.
أمينة عباس