ثقافةصحيفة البعث

سالي غنوم: الوجد السوري يهز القلوب أينما حلّ

 

يبدو أن السوريين أينما حلوا، في الحلو والمرّ، ليسوا فقط بصناع للحياة، بل هم من يحمل أثمن ما فيها وجوهرها بل فلسفتها الكاملة، يحملون فنونهم وكأنها من بعض أمتعتهم، ذاك في جعبته روايات تنتظر أن يكتبها وتلك من لديها بساتين قصائد، يحلو لها أن تقطف منها كما تشاء، أما “سالي غنوم” المرأة القادرة على تحويل بضعة أعواد قش إلى حكاية صاغها الوجد بين حبال صوتها التي تتأرجح عليها النغمات، فتصدح بأقدم آلة موسيقية عرفتها البشرية، بحنجرتها الرقيقة، مطوعة الجمل اللحنية والمقاطع الغنائية مهما اختلف رتمها، لتؤديها بجمال منقطع النظير، يكاد لا يشبه إلا ذاته، حتى وهي تغني لكبار الفنانين السوريين والعرب.

عن هذا تقول سالي التي تحيا في بلجيكا بعد أن أكلت الحرب قلبها، وبقي ما فيه قادرا على ضخ الحياة في نهر من أسى: “بداية هذا العام كانت مميزة وفيها ما يجعل الروح متوثبة لمزيد من نشر عطر الألفة الذي نصنعه كسوريين في أفناء بيوتنا، وصفته سهلة رغم عذاباتها، الكثير من الدموع والكثير من الحنين، مع قطفة حبق من المحبة، وهكذا تحضر حتى البغضاء، ولكن بصفة مغايرة، ما قدمناه هذه الفترة هو عرض مسرحي عالمي بعنوان ” أغنية أم” إخراج المخرج المسرحي العراقي “مخلد راسم”، بالتعاون مع أهم مسرح بلجيكي يدعى”تونيل هوس”في مدينة انتوبرب و المسرح النمساوي والمسرح الإيطالي”.

تصمت سالي قليلا وهي شاردة ربما في مقام أغنية تأخذها إلى ملاعب الطفولة في حلب، ومنابع الجمال في مشتى الحلو، مكانان صقلا روحها بكثير من الحرفة العالية لجعل الصوت ينساب كالحلم من داخلها، حتى تطفو غيومه فوق من سمع ورأى وربما بدأ، بل بدأ البكاء، تتابع “غنوم”: العرض كان عن الأمهات في زمن الحرب، أولئك النسوة بأرواحهن المشتعلة ألقا وحزنا عظيما لا يمكن إلا أن يكون مولدا خالدا للفرح القادم الذي ننتظر،وكان دوري في المسرحية هو الصوت الرئيسي المغني في المسرح؛ الموسيقا الخافتة، كانت في الخلفية البعيدة، لصوتي الذي كان هو وسيلتي للتواصل مع أناس ربما لا يعرفون لغتنا، لكن كما تعلم، هذه اللغة تحمل بين حروفها حنينا لا يوصف، والوجد السوري يستطيع أن يهز القلوب، ومع غياب الموسيقى كما ذكرت، كان صوتي هو المعبر عن الحالة المشهدية والدرامية التي قدمها العرض”.

وعن الأغنيات التي اختارتها “سالي” لتفتتح بها عامها الإبداعي الجديد قالت:”غنيت أغان عربية مختلفة منها لـ “ذكية حمدان” و”فيروز”، “جورج وسوف” وبعض “القدود الحلبية” التي مالت على ترانيمها القلوب والشموع” وتتابع: “من المهم أن يقيّم الفنان عمله قبل أي شخص آخر، خصوصا إن كان العرض “لايف” ومن على خشبة المسرح للجمهور مباشرة، وهذا الجمهور لا يعرف أن يجامل، فإما يتفاعل وتصل حرارة قلبه لروح من يعمل فتجعلها كقوس الربابة “كل ما عتق بيحن”، أو العكس، لكني استطيع التأكيد من خلال رجع الصدى، أن “أغنية أم” كان عرضا مميزا بكل ما للكلمة من معنى، ولاقى ترحيبا حارا من الجمهور، الذي تأثر جدا،بالرغم من عدم وجود سيناريو يضبط الفكرة، فعندما يكون الحديث أو الموضوع عن الأم، ما حاجتك للسيناريو لتقدم فرجة بصرية وصوتية، يكفي أن يحضر رمزها، حتى يحن إليه قلب أي شخص، فيصبح ما يراه ويسمعه كلا واحدا متوحدا في تلك الروح العظيمة السامية، روح تقدرها كل شعوب الأرض، حتى أن الأغاني كانت كلها بلغتنا العربية، إلا أن إحساسي وجدته مرتسما على قسمات الحضور وفي قلوبهم أيضا، لقد وصلهم ما هو أهم من اللغة، لقد وصلتهم هوية الروح التي هي نحن، الروح التي رباها النهر والصباح وجبل المشتى، وسارت طويلا في دروب حلب القديمة، تلم عن بلاطاتها الحجرية، أصوات من كانوا يملؤون الروح بباذخ الجمال، هذا الإحساس وصل للجمهور بطريقة جميلة وعذبة”.

عرض “أغنية أم” أثار اهتمام العديد من وسائل الميديا ومحطات التلفزة، حيث كان لصُناعه العديد من المقابلات المباشرة مع الحضور الذين تصفهم سالي بقولها: “عظيم أن ترى الجميع بصدح قلبه ليهتف لك، أولئك الذين عبروا بالدموع تارة وبالفرح تارة عما جال في دواخلهم، فالفقد واللوعة والغياب، ليست وقفا علينا كسوريين عانينا ما عانيناه، أيضا الشعوب الأخرى، بمعزل عن سياسات حكوماتها، لديها وجدان جمعي عالمي، يحمل ال “د ن ا” خاصتها روح الكون التي تسري بين السماء والأرض، ودعنا لا ننسى أن السوري يشعر نفسه مواطنا عالميا قبل أن يقول أنا سوريا أو أنا عربيا، إنه بروح عمّ سناها الشرق والغرب، وأنا في تلك السلسلة الذهبية من هذا السحر الخاص، أحاول أن يكون لي حلقة تمسك ما قبلها لتشد التي بعدها، فيبقى الوجدان الحي، هو صاحب الأثر ولو بعد حين”.

أما عن ما في جعبتها أيضا من مشاريع فنية في المهجر فتخبرنا “سالي”: ” لازال لدي عروض في صربيا في تشرين الثاني بمهرجان المسرح العالمي،وتم تغطية عملي كفنانة سورية من قبل أهم قناة تلفزيونية في بلجيكا سوف يتم عرض الحلقة قريبا على السوشال ميديا، أيضا لدي أمسية غنائية تراثية سوريّة بعنوان “غياب” في 20 تشرين مع فرقة “وجد”، التراثية السورية، وهي أمسية تمهيدية عن عمل مسرحي غنائي بعنوان “لون الذاكرة..غياب” تأليف الشاعر السوري “عصام يوسف” والعمل  سيكون من إخراجي؛ هذه الأمسية هي عبارة عن دعم للعمل القادم من قبل الفنانين والجمهور الأوروبي والعربي لتقديم عمل مميز وراق سيكون العمل في مسرح “ارنبرخ” العريق.

حوار: تمّام علي بركات