زواج الأخ من أرملة أخيه.. قانون اجتماعي في خانة التغييب التام للحقوق الشخصية
معاناة منتشرة في بعض الأرياف السورية، وقد تكثر في منطقة أكثر من سواها، وهي زواج الأخ من أرملة أخيه، هذا النوع من الزواج يحدث بالفعل عند بعض الأسر، إذ يصر والد المتوفى على أن يضع أولاد ابنه تحت مظلة العائلة، ويبقيهم في دائرة تلاحمها وتجانسها، فيجبر أحد أولاده على الزواج من زوجة أخيه حتى لو كان متزوجاً، غير مبالين إن كان لهذا الزواج سلوك صحي تتوافر فيه الأبعاد الإنسانية، والعاطفية، والأسرية، أم أن له تداعياته النفسية على الرجل والمرأة والأطفال، ومتاعبه ومشكلاته المستقبلية التي قد تلقي بإحباطاتها وأوجاعها عليهم؟.. فهل هذا الزواج في أغلب الأحيان يكون ناجحاً وسعيداً، وتتوفر له كل مقومات البيت الأسري المبتهج الذي يعيش أفراده بشكل سوي ومتناغم وودي، أم أن هناك أطرافاً يتضررون ويقلقون وتسوء أحوالهم النفسية والحياتية مثل زوجة الشقيق وأولاده إذا كان متزوجاً من قبل؟ وكيف ينظر من عاش التجربة إلى هذا الزواج؟ وكيف يقيمون أسباب فشله أو نجاحه؟ وهل هو في الأساس قرار سليم أم خطأ يرتكب بحجة المحافظة على وحدة الأسرة وتجانسها؟.
حاولنا في هذه العجالة تسليط الضوء على هذا الحل بطعم الكارثة، ومعرفة ما إذا كانت تلك الظاهرة حلاً أم اغتصاباً مشرعناً؟.. والبداية قصة من وحي الواقع.
قبول على مضض!
هايل الملحم يروي فصول حكايته المرة قائلاً: عندما رحل أخي ترك خلفه زوجة وطفلين، ورغم أني أصغر منه بعامين، ولي زوجة وطفلان، وجدت نفسي أمام نارين لم يترك لي الوالد حرية فيهما، إما ترك زوجة أخي تذهب للعيش مع أهلها، فيتعرّض أولاده لمشاكل وإذلال لا حد لهما، أو الاقتران بزوجة أخي، وهكذا حدث الأمر على مضض، ولا أريد أن أصف لكم حال زوجتي الأولى، بل ونفسيتي أنا التي جعلتني حتى الآن لا أقترب من المرأة التي أصبحت زوجتي أمام الله ثم الناس، فهي كانت بمثابة أختي، والظرف جعلها زوجتي، وأترك الأمر للأيام.
زاوية مضيئة
هنا ينطبق المثل القائل: الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون، فالآباء يرون في هذا النوع من الزواج السترة من الزاوية المشرقة، فهو يحافظ على الأسرة من الضياع، ويحمي الأطفال من التشرد والضياع، ويبعدهم عن تربية الغرباء التي لا ترحم، وفق تعبير فريد الصفدي، في حين يرى منير الزين أن بعض الأهل قد يظنون أن تزويج الأخ بزوجة أخيه حل جيد ومناسب لربط شمل الأسرة، إلا أنهم لا يدركون الضرر النفسي الذي قد يصيب هذه الأسرة جراء ذلك، خاصة إذا كانت زوجة الأخ كبيرة في السن، أو كان هناك عدد كبير من الأطفال، فالأخ في هذه الحالة قد ينتقم من قرار أهله بمضايقة زوجته وأطفالها من زوجها السابق، والذين يتحولون إلى ضحية لأفكار وظواهر اجتماعية لا تراعي الجوانب النفسية والاجتماعية، والآثار المترتبة لاحقاً على هكذا ظاهرة التي أعتبرها مشكلة أكثر من كونها حلاً.
طلاق عاطفي
يتفهم الدكتور مهند السعدي البعد الاجتماعي في هذه الزيجات، ولكنه يشترط موافقة الطرفين قائلاً: “رغم تفهم البعد التكافلي في الموضوع فإن مثل تلك الزيجات تربك العقل البشري، وتضع المرأة والرجل في ضغوطات نفسية لا حصر لها، وقد تحد من الاستقرار النفسي أو العاطفي لكلا الزوجين، وتؤدي إلى عدم الانسجام فيما بينهما، سواء على الصعيد النفسي أو العاطفي، وهنا قد يقع نوع من الطلاق الخطير بين الزوجين، وهو الطلاق العاطفي الذي قد يفرز حالات نفسية خطيرة أهمها الاكتئاب”.
امتداد المصاهرة
غير أن الدكتورة نهلة المحمد لا تقبل مثل هذه الحلول، وتقول: “من المؤسف أن تلجأ بعض الأسر لمثل تلك الزيجات التي قد تسلب الفتاة والرجل حقهما في الاختيار، حيث يفرض بعض أولياء الأمور رأيه على الفتاة للقبول بزوج الأخت المتوفاة، أو إجبار الرجل على الزواج بزوجة شقيقه المتوفى، وقد يكون هذا من قبيل امتداد المصاهرة لشخص له قيمته المجتمعية، أو من منطلق الرحمة والشفقة على أطفال الأخ أو الأخت”، وتضيف: “إن المبررات لا تشفع في ارتباط الفتاة بزوج أختها، أو ارتباط الشاب بزوجة شقيقه المتوفى، ليكون الشاب أو الشابة عوضاً عن المتوفى أو المتوفاة في تربية الأطفال”، مشيرة إلى أن مثل تلك الزيجات تهدد أسرة بكاملها، مؤكدة على ضرورة دراسة الأمر من جميع الجوانب، سواء النفسية، أو الاجتماعية، أو الأسرية قبل الشروع به، وترى أن مثل تلك الزيجات قد تكون مقبولة في السابق عند بعض الأسر من منطلق الشيمة والرحمة ولم الشمل، وغالباً ما تكون في المجتمعات البدوية والريفية القبلية، ولكن الآن تراجعت بحكم انتشار الوعي الثقافي حتى في تلك المناطق.
حل بطعم الكارثة
الزواج بزوجة الأخ ظاهرة صنعها المجتمع في محاولة لتخفيف مشاكله ولم الشمل، إلا أن لهذه الظاهرة أبعاداً متشابكة يجب مراعاتها من قبل الأهل حتى لا يتحول هذا الحل إلى مشكلة كبيرة يصعب حلها والسيطرة عليها، ومن هذه الأبعاد تقارب أطرافها عمرياً ونفسياً، ونسبة قبول كل الأطراف لهذا الحل، وتقدير نسبة النجاح الآن ومستقبلاً، وإذا ما راعى أفراد المجتمع هذه الأبعاد قد تصبح الظاهرة حلاً متميزاً لبعض الحالات، ولكن لا يمكن تعميمها، أما عدم مراعاتها فقد يحول الظاهرة إلى أزمة كبيرة، وقد ترفد المجتمع بمشاكل أكبر من أن يستطيع المجتمع نفسه إيجاد حلول لها، لذا على المرجعيات الاجتماعية النظر إلى هكذا زيجات من زوايا متعددة، بحيث لا تكون هناك ضحايا على حساب رغبة عند طرف في الأسرة يريد أن يجعل منها قانوناً أسرياً، أو عرفاً اجتماعياً بحجة لم الشمل!.
البعث