الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

زيتونة الشام

 

شجرة الزيتون رمزٌ تفوح من أغصانها نسمات البركة، فهي رمز السلام والحياة والخصوبة قدست في العديد من الأديان عبر الأزمان، السماوية منها والوثنية فقدم البابليون سائلها الذهبي للآلهة، واستخدم المصريون زيتها في بناء أهراماتهم، وبنى الملوك الفينيقيون والآراميون قصورهم من أخشابها، فاستطاعت بها الربة (آثينا) الفوز على سائر المعبودات في مسابقة أكثر الهدايا نفعا للإنسان وأشعل من غصنها أول شعلة أولمبية.

هي ملكة الأشجار أزهارها بيضاء جميلة وثمارها جواهر خضراء ولآلئ سوداء.. لا تكاد تخلو منها حديقة منزل أو حاكورة وتمتد على بعد النظر في البساتين والأراضي وقد ذكرها أجدادنا في الأمثال فقالوا: (إن دفع آذار فهيئوا له الجرار وفي شباط هيئوا له البطاط) والبطاط جمع باطة وهي أكبر من الجرة كان أجدادنا يعدونها لتخزين الزيت قبل استخدام التنك والمقصود (بدفع) بداية الإزهار.

حرفة الحفر على خشب الزيتون من أقدم الحرف التقليدية في بلاد الشام، يعود تاريخها إلى القرن 16م إذ كانت البداية صناعة المسابح من نوى حبات الزيتون ومع تقدم الصناعة قدّمت مقاربة فنية وملموسة لطبيعة الحياة التي عاشتها السيدة مريم العذراء وابنها المسيح، فكانت التماثيل الخشبية ليسوع وأمه ومجسمات الأماكن الدينية ككنيسة المهد وقبة الصخرة، كما صنع الحرفيون السوريون المصابيح والشمعدانات وأواني الأزهار والصلبان والقلائد والأمشاط.. ونجد أيضاً  تماثيل قديمة للجمال والأحصنة وغيرها من الحيوانات.. الخ.

ويعدّ الخشب المروي من أفضل أنواع الأخشاب المستخدمة نظراً لجماليته وامتيازه بمتانته وقابليته للتطويع والتحكم بدقة الحفر والتصنيع به،كما تمتاز بجمال العروق؛ أي تموجات ألوانه واعتمدوا عليها في زخرفة إنتاجهم فلم يلجؤوا إلى التطعيم بالأصداف أو العاج أو المعادن الأخرى، ولم يشوّهوا تلك القطع بطلاء خارجي بل اكتفوا بمسحها بزيت الزيتون أو بقليل من مادة ملمعة.

تعتمد حرفة خشب الزيتون على مهارات يدوية بحتة في تشكيل القطع الفنية، ويستغرق التدريب على هذه المهنة فترة طويلة حيث يبدأ العمل على التدريب منذ الطفولة ضمن ورشات بأدوات بسيطة في السابق، أما اليوم فقد أدخلت الآلات الكهربائية على تلك الحرفة إذ تقوم الآلة بتقطيع الخشب وتحويله إلى نماذج مرسومة مسبقاً وبعدها لابدّ من العودة إلى العمل اليدوي لإعطاء القطعة تفاصيلها الدقيقة وشكلها النهائي.