أصوات مميزة في سورية تبحث عن فرصة توفيق عنداني: الأغنية لم تعد فناً وتحولت إلى بضاعة للمتاجرة
من خلال إعداده وتقديمه لبرنامج “دهب عتيق” تعرّف عليه الجمهور بشكل أوسع وهو البرنامج الذي نال شهرةً كبيرة ومتابعة جيدة من قِبَل مشاهدي قناة الدراما، حتى أن الكثير من المواطنين كما قال يستوقفونه في الطريق منهم من يسأل عن موعد البرنامج الجديد ومنهم من يبدي إعجابه بالبرنامج: “حصلت مرة أن كنت جالسا في مقهى الرصيف بالحمرا – بيروت – مرّت عائلة ثم عادت لتسألني فيما إذا كنت أنا نفسه مقدم برنامج دهب عتيق وطلبوا اخذ صوره معي.. وضحك الأصحاب للنجومية المتأخرة”.
زمن الفن الجميل
يرى الشاعر الغنائي توفيق عنداني أن المتابعة التي حققها البرنامج الذي كان يتحدث فيه عن زمن الفن الجميل وعمالقة الغناء والطرب سببها ملل الناس من التفاهات والكلام الهابط والألحان المسروقة التي لا تمتّ إلينا بصلة، واليوم وبعد توقف البرنامج يتمنى تقديمه مرة أخرى ولكن بصيغة جديدة، مبيناً أن إحدى القنوات العربية سبق وأن عرضت عليه تقديمه ولكنه رفض بانتظار تقديمه على شاشة التلفزيون السوري.
البيان رقم واحد
يعمل الشاعر عنداني في الإذاعة والتلفزيون منذ أكثر من 55 عاماً ويتذكر كيف دخل إذاعة حلب يوم 8 آذار 1963 ليطلق أغنيته الأولى التي سماها البعض تندراً بالبيان رقم واحد ويقول فيها:
“ثورتنا ضد الرجعية.. وضدّ النكسة الانفصالية/ثورتنا لأهداف قوميّة..وحدة.. حرية.. اشتراكية/ثورتنا ثورة إصلاح/تفديها منا الأرواح/منها طل الفجر ولاح ع ربوع الأمة العربية”.
وهي من غناء زكي الريس وألحان محمد الملاح وتحمل الشريط رقم 167 في إذاعة حلب التي سجل فيها عدة أغانٍ منها: أهداف البعث – الله وجنوده معنا – البعث أشرق – اغربي ياشمس – قوم ارفع راسك – طل الفجر غناها مطربون ومطربات منهم مصطفى ماهر وفارس موصلي ومها الجابري وسمير حلمي ومحمد خيري وغيرهم، مبيناً أنه أول من كتب شعراً غنائياً للعامل والمرأة والفلاح لأنه لا يكتب بشكل مجاني، بل يتناول في كتاباته الشعرية قضايا اجتماعية وإنسانية ووطنية من خلال عدة أنواع من الشعر الغنائي (البدوي-الساحلي-المصري) كما كتب للحب والحب الأكبر برأيه للأرض:
“صباح الورد والياسمين الشامي/صباح السعد وترغلة اليمامة/صباح المجد لسورية المحبّة/لأغلى اسم من كل الأسامي”.
البعث في دروب النضال
أصدر عنداني كتاباً بعنوان “البعث في دروب النضال” عام 1965 تناول فيه مسيرة حزب البعث العربي الاشتراكي، مشيراً إلى أنه كتب للحزب نحو 80 عملاً غنائياً وكان الوحيد الذي كان يكتب أشعاراً عنه في فترة 1963-1966 إلى جانب الشاعر صابر فلحوط، وتحت عنوان “ألف تحية” غنّت للبعث من أشعار عنداني الفنانة دلال الشمالي:
“ألف تحية من الأعماق/للبعث العربي العملاق/ألف تحية من الرفاق/ياشعبي العربي الخلاّق/ألف تحيّه ياثورتنا/يا جامعة ع الحق أخوتنا/من الوحدة هلّت عزتنا/ورجعنا المجد الخلاق”.
ويتابع الشاعر – الصحفي – توفيق عنداني حديثه: أنا أول من كتب الكلمة المغنّاة للبعث:
“أنت الهوية يابعث.. أنت الهويّة/وأنت النور اللي بيضوي دروب الحريّة/أنت الإنسان وآمالو..أنت تشرين وأبطاله/أنت الـ علّمت المظلوم.. كيف يحطّم أغلاله.. أنت الهويّة/أنت الثورة.. أنت الوحدة/أنت المنقذ يوم الشدة”.
كتب عنداني أيضاً للجولان والتصحيح ففي العام 1970 وبمناسبة الحركة التصحيحية أصدر مفكرة الثورة التي ضمنها من خطاب القائد ومن فكر الحزب وأصدر تقويماً جدارياً يضم أهم صور الراحل الخالد حافظ الأسد عام 1972 (تقويم النضال) كما كتب للجولان المحتل ويوم رفض الرجال الأشاوس في الجولان هوية الاحتلال جسّدها بأغنية – أنا جولاني – التي غنّاها عدنان عمر ولحنها صدّيق دمشقي:
“أنا جولاني وهويتي سورية، أنا إنسان عاشق للحريّة، لو مهما طال الزمن، ياوطني راجع الك” كما غنى للجولان أيضا محمد بكري من كلمات الشاعر عنداني “قسم جولاني”:
وحياتك ياأرضي الحرّة ، رح يبقى مجدك منصان، وما منتنازل ولا عن ذره من ترابك أرض الجولان، أنت كرامة وطن وأمّة، وهضبة وسهول ووديان.
ويمتلك توفيق عنداني اليوم نحو 400 أغنية معظمها غير معروف لعدم بثّها في الإذاعة وقد غنى له رفيق شكري، سحر، بسمة، مصطفى ماهر، سهام إبراهيم، نور الهدى، هيام يونس، سوزان عطيّة- مصر- سهام الصفدي- الأردن – د. حسن رمزي – إسماعيل خضر والكبيرتان: نور الهدى ونجاح سلام وكذلك محمد وهيب – شادي جميل – عبد الرزاق محمد –عيسى النوى – أنعام الصالح – محمد خيري- نور مهنا- معين الحامد – عبد الرزاق محمد- ورفيق سبيعي الذي غنّى من أعماله أكثر من 12 نصاً منهم “اقعود واتحبّك – حبوباتي التلموذات – أم صيّاح عم تتعلّم – قالوا الطمع – الماداق المغراية” وغيرها، وكان من المفترض كما يقول عنداني أن تغني له فيروز عام 1985 عن طريق محمد محسن الذي لحّن لها “سيد الهوى قمري” إلا أن أحد الشعراء اللبنانيين (كما أخبره الملحن محمد محسن) حال دون ذلك، أما ملحم بركات وفايزة أحمد وسعاد محمد وسميرة توفيق فكانوا من أهم أصدقائه إلا أنهم لم يغنّوا من أشعاره، منوهاً كذلك إلى أنه كشاعر تعاون كثيراً مع دلال الشمالي التي غنّت من أشعاره أغنية حين تم تكريمها مؤخراً من قِبَل وزارة الثقافة في دار الأوبرا لخص فيها حكاية دلال الشمالي مع سورية التي احتضنتها لمدة 25 سنة:
“حبيبتي ياسورية تعيشي ياأحلى بلاد/ياقاهرة كل العدا ياصانعة الأمجاد
جايي أنا جايي ت بوّس الراية/صمودك حكاية ونصرك الأعياد
من زغري حبّيتك وعمري مانسيتك/انا بنت بيتك.. مهما نكون بعاد/الشام للسلم أو للحرب مفتاح”
كتب توفيق عنداني في ظل الحرب على سورية نحو 40 أغنية وطنية منها “من قاسيون” ألحان ماجد زين العابدين غناء نور عرقسوسي:
“من قاسيون أطل الفجر منتشياً/والياسمين بأرض الشام فواح
والشام خالدة تحكي أوابدها/يفنى الزمان ومجد الشام وضّاح
هذي دمشق هي التاريخ تكتبه/فالشام للسلم أو للحرب مفتاح
هذي دمشق وعين الله تحرسها/تعطي الجميع أمانا حين ترتاح”
كما غنت له نور عرقسوسي “حلب درة الشرق” لحن المطرب عصمت رشيد:
يا درة الشرق يا شهباء يا حلب/أنت الخلود توالت دونك الحقب
ياتوأم الروح يامن عشقها بدمي/يادار أهلي اليك المجد ينتسب
يا توأم الشام مدي جانحيك عُلا/فالروح تفديك إن مسّت بك النوب
وضع الأغنية مأساوي
ويرى توفيق عنداني أن كتّاب الشعر الغنائي قلائل في سورية بعد أن رحل عددٌ كبير منهم، ومن هو موجود يجد صعوبة في أن ترى أشعارُه النور في ظل ما تعاني منه الأغنية السورية من واقع أليم على صعيد عدم وجود شركات إنتاج، منوهاً إلى أن أهم الشعراء الغنائيين الموجودين اليوم على الساحة برأيه هم حسّان فياض يوسف صاحب كلمات أغنية “لزرعلك بستان ورود” وأحمد نعمان وجورج عشي ونظمي عبد العزيز ومعظم هؤلاء توقفوا عن الكتابة لعدم وجود جهات إنتاجية، وبعد أن أصبح إنتاج الإذاعة ضئيلاً للغاية، ويأسف عنداني لهذا الوضع، خاصة وأن الإذاعة السورية كانت من أهم الجهات الإنتاجية للأغنية السورية، وكان لديها فرقة موسيقية خاصة كانت تعمل بشكل يومي تقريباً، أما اليوم وفي ظل غياب هذه الفرقة أصبح الوضع مأساوياً برأيه وقد أصبحت الأغنيات التي تُسَجَّل فيها لا تتجاوز عدد اليد الواحدة في ظل شبه غياب لدائرة الموسيقا، طالباً من وزارة الإعلام رعايتها والاهتمام بها، موضحاً أن في سورية أصواتا متميزة تبحث عن فرص لها ولا تجدها، لذلك تتجه نحو برامج الهواة في الدول العربية، ويأسف لأن الأغنية اليوم لم تعد فناً وقد تحولت إلى بضاعة يتاجَر بها حسب السوق، وهنا يلوم الفنانين الذين ابتعدوا عن الطريق الصحيح تلبية لما يريده السوق، وهذا خطأ كبير.
ركن في الإذاعة اللبنانية
في بيروت كان لعنداني ركن في الإذاعة اللبنانية التي كانت في يوم من الأيام تتبنى في كل عام نحو 12 عملاً من أشعاره، مشيراً إلى أن وديع الصافي غنى له في الذكرى الأولى لثورة الثامن من آذار في حفل أقيم في سينما الزهراء، كما يبيّن أن ناصر الأسعد الموزع اللبناني الشهير أخذ منه عدة نصوص لتلحينها، وكذلك الملحن والموزع الكبير إحسان المنذر وعلي صفا، وهيثم زيّاد ومع ذلك فإن ذلك لا يعنيه بمقدار ما يعنيه أن تنتشر أغنياته في سورية وبأصوات سورية، ويأسف لأن ذلك ما زال دون الطموح، مفسراً غزارة إنتاجه لشدة قربه من الناس وتواصله الدائم معهم ومع قضاياهم ومشاكلهم، فهذا التواصل برأيه يغني كتاباته، ولذلك فإن كل ما يكتبه قابل للغناء ويسعده أن شاعراً كبيرا كالراحل حامد حسن كان قد أجرى دراسة عن فلسفة توفيق عنداني في الشعر، مشيراً إلى أنه أصدر عام 1988 ديوان زجل بعنوان “سمرا” وبعده لم يُصدِر أي ديوان، وهو اليوم بصدد إصدار ديوان من الشعر المحكي بعنوان “لعيون الغوالي”.
صوت العرب
ولا ينكر الشاعر توفيق عنداني أن الإعلام أخذه من الشعر لفترة طويلة ولذلك استقر في بيروت في فترة سابقة وبقي فيها لمدة عشر سنوات كرئيس تحرير لمجلة “صوت العرب” وهو اليوم يأمل أن تصدر في سورية.
وبالعودة إلى البدايات في الإعلام يبين أن البداية كانت عام 1957 من خلال صحف حماة وحلب، لينتقل بعد ذلك إلى دمشق ويعمل في عدة مجلات مثل “دنيا المجتمع” ليؤسس بعد ذلك “دنيا العرب” مع الراحلين محمود كنفاني وتيسير النحاس في أثينا – اليونان ومن ثم “الرواد” و”صوت العرب” التي فقد عنداني خلال الحرب على سورية أرشيفها بالكامل منذ تأسيسها وحتى العام 2010 إلى جانب العديد من المخطوطات القيّمة.
ويبين توفيق عنداني أن مسيرته الطويلة في مجال الإعلام والشعر الغنائي كانت طويلة وغنية، وهو اليوم ما زال مستمراً في هذا الطريق الذي سلكه على الرغم من بلوغه الثمانين ونزوحه عن بيته وتعرض مكتبته وأرشيفه وتعب ستين عاما كما يقول للسرقة، وكل ما يتمناه أن يجد ولو التفاتة من الوطن الذي أعطاه عمره وان يحصل على التكريم الذي يستحقه لأن كلمة شكر من وطنه تعني له الكثير.
أمينة عباس