قلادة مردوخ.. بين الأسطورة والحقيقة
عقد مشؤوم يعتقد أنه يحتوي على لعنة ما، وقد اتفق المؤرخون على أنه صنع قبل 3000 سنة قبل الميلاد، العقد ثمين جداً ومرصع بالأحجار الكريمة، وكتبت عليه مجموعة من الطلاسم والنقوش الغريبة، عثر عليه الروم لكن لم يذكر كيف وانتقل من مكان إلى آخر، لكن الكاتب أحمد سعد الدين قرر أن يصطحبنا في رحلة في أعماق الماضي السحيق ليأخذنا إلى مصدر هذه العقد المشؤوم من خلال روايته التي جاءت بعنوان “قلادة مردوخ”، تبدأ الرواية بحادث مقتل الرئيس الأمريكي جون كنيدي والذي كان يرتدي القلادة يوم اغتياله، ثم يأخذنا في رحلة تمتد عبر أربعة وسبعين فصلاً صغيراً نعبر من خلالها حقباً وأزمنة متعددة فنبدأ من مملكة بابل ونتعرف على الملك الأسطوري حمورابي ذلك الشاب الطموح والقوي والذي يريد أن يوحد مملكته ويحميها من التطاول الذي تقوم به بعض الممالك الأخرى، يسلط الكاتب الضوء على علاقة حمواربي بالكهنة وسيطرة عبادة الإله مردوخ على مملكة بابل ويروي أنه عندما قرر حمواربي تحقيق مشروعه واستكمال حلمه سانده كبير الكهنة وأكد له بأنه يحقق النبوءة وبأن الإله نفسه سيعينه على تحقيق ذلك، فيصنع مردوخ هذه القلادة ذات الطلاسم الغريبة ويحذر حمورابي من ارتدائها فمن يفعل موتاً يموت، ويخبره بأن يبعث القلادة إلى من يريد قتله وسيجد الموت الطريق له، حمورابي على الرغم من تربيته الدينية القوية إلا أنه بدأ يخشى من سيطرة هذا الإله ويشكك فيه غير أن حمورابي بين الزهو والكبرياء الذي تملكه بشدة وبين الخضوع لمردوخ ذلك الإله الذي يؤمن بالقتل و”الأعمال الشيطانية” يقرر أن يساير الأمور إلى حين انتهاء حلمه، حاول على قدر ما يمكن أن يحد من سلطة مردوخ وكهنته حتى لو بتعظيم آلهة أخرى لكن الوقت قد فات لذلك، فقرر وضع القلادة في صندوق وأخفاها متأملاً أن تختفي من العالم، هكذا كان يأمل حمورابي لكن القلادة تجد طريقها إلى مملكة آشور وتتسبب في نهاية الملك سنحاريب على يد أبنائه وتذهب القلادة إلى أرمينيا وتعود إلى العراق في عصر مختلف إلى دولة بني العباس فتؤجج القلادة صراع الأخوة الأمين والمأمون وتنتهي بقتل الأمين على يد طاهر بن الحسن الذي لم تمر عليه أيام قليلة إلا وكان الموت نصيبه، يُحفظ العقد في الخزائن لفترة طويلة قبل أن يرتديه الخليفة المستعصم الذي يقتل على يد هولاكو الذي بدوره يحصل على القلادة ويهديها إلى عشيقته فانسا التي كانت متزوجة من أحد قادة جيشه وفور ارتدائها للعقد علم زوجها بعلاقتها بهولاكو فقتلها فوراً ثم أخذ العقد وارتداه، ليقتل في معركة عين جالوت التي انتصر المسلمون فيها بقيادة قطز الذي حصل عليه واغتيل بعد فترة وجيزة بخنجر مسموم فذهب العقد إلى بيبرس الذي قتل أيضاً على يد مجموعة من أعدائه، ثم ترتحل القلادة لتصل إلى الملك الفرنسي لويس التاسع الذي يموت نتيجة لمرض خبيث وكان يرتدي العقد حول عنقه.
تمتلك القلادة سحراً فريداً من نوعه يخاطب أحاسيس البشر ويغري كل من يراه بارتدائه وهذا ما كان للملكة ماري أنطوانيت التي ارتدتها حتى أعدمت بالمقصلة متمنية بعد فوات الأوان لو أنها تخلصت منها وسمعت نصيحة الساحر كالبسترو الذي كان قد حذرها مراراً و تكراراً من ارتدائها، حصل على القلادة الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت الذي أهداها إلى زوجته فرفضت ارتداءها بعد أن سمعت بماضيها الدموي وقررت الاحتفاظ بها بعيداً عن القصر الملكي. وانتقلت ملكية هذا العقد إلى الجيش الألماني بعد أن احتل هتلر فرنسا وعُرض في متحف برلين للآثار وبقيت كذلك حتى سرقها أحد ضباط الجيش الألماني ويدعى غورنغ الذي انتحر بظروف غامضة. ثم نعود إلى مشهد مقتل كيندى ومن ورائه وكيف ولماذا قتل، وأخيراً تستقر القلادة في أمريكا بابل الثانية من أجل سيد العالم عند المنظمات السرية.
الكاتب يسرد التاريخ بطريقة ممتعة بلغة فصيحة سهلة بعيدة عن التكلف أعطت الأحداث التاريخية تميزاً أكثر وجاذبية آسرة تمتلك القارئ من بداية الرواية إلى نهايتها، نلمس بين صفحاتها تحيز الكاتب إلى عصر معين أو وصفه وتفخيمه لحدث على حساب آخر أو ديانة على حساب أخرى، فالقارئ ربما لا يدرك تماماً من هو مردوخ أو عبادته، لكن الكاتب هنا استطاع أن يسطّر بين صفحاته بأنه شيطانٌ وليس إلهاً وجاء هذا واضحاً بالحوار النفسي الذي كان يعتري حمواربي، وعند معركة عين جالوت استفاض الكاتب بشرح أحداث المعركة المبالغ فيه وغير الضروري لأحداث الرواية فقط لإظهار جانب على حساب آخر، ربما تمتلك الرواية هذه المساحة التي لا يملكها الكتاب التاريخي، لكن الكاتب استند إلى أحداث حقيقة تاريخية فأظهر جوانب وعتّم أخرى.
هذه القلادة هي رمز الشهوة والسلطة وبين سحر بريقها ولمعة الطمع كتبت أقدار سلاطين وعظماء وملوك، وأطلت بوجهها القبيح من وسط الدماء والجثث والسيوف والمحارق والمذابح.
عُلا أحمد