ثقافةصحيفة البعث

أنا هنا فوق سطح الغابة..

 

لا أذكر أني ندمت يوما، أتعبته بما فيه الكفاية لكنه لم يعرف طريقه إليّ، بدليل أن أصابعي مكتملة، ولا أثر لجروح قطعية فيها، كما أنها تؤدي وظائفها على أكمل وجه في الغضب والفرح والسأم.

لا أذكر أني فركت كفيّ حسرة على شيء بملء إرادته رحل عني، أو قذفت في مشهد منفعل “مشاطة” شعري أو هاتفي الجوال، كما في المسلسلات العربية مثلاً. رقصت كثيراً حافية القدمين في مدخل شريانه ولم أصب بالندم أبداً، رغم هلاكي في كل مرة.

لم أبلغ من الجنون حد أن أجرح شفتي السفلى بالعض حتى أدميها، وأخسر أول نعمة منّها الحب علينا، ولم استخدم لازمة الحسرة (ياليت شعري.. ليت الشباب يعود يوماً..) .

خسارات كثيرة على مد النظر، لونت حياتي بالسواد، ومع هذا تركتها ورائي ولم أقل من شفتين داميتين (لو أني ربحتها) بل كانت تسقط، أو ربما أسقطها عمداً مثل كيس الفاكهة الناضجة، فبعض القضايا خسارتها أهم من ربحها بكثير، والدليل أنني بكل ثقة وبساطة، رميت خاتما ذهبياً في البحر، لأتخلص من ربحي الوفير وذكرى من أهداني إياه (خذ ذكرى وارميها بالبحر..)، وفي لحظة خسارة لكل ما مرّ من عمر، رميت أوراقاً كانت تثبت وجودي، رشقتها عن الشرفة بكل سرور بلا أي تأنيب للضمير يذكر.

فُقدت وافتقدت وفَقدت، حتى لم يبق في عيني ماء يكفي لأبكي على عزيز.. تعلمت يا صديقي حين أخسر رقماً، أضيف حرفاً أو حروفاً أخرى لمدح الفراغ الذي خلفه أحدهم، وأفتح قلبي للهواء الحر.

بذرت أياماً في الغرفة المحدودة التهوية، أحدّث السقف بمواضيع عدّة، وأحيانا أعد أجنحة المروحة السقفية.. أعدت العصفور الذي في كفي إلى الشجرة، فلم أجد عصافير في كفي ولا على الشجر.

لست نادمة على ما ذهب، وما سيذهب وما قد يذهب، أخطائي أعتني بترتيبها فهي أملاكي الوحيدة، خطاياي ألمعها مثل نافذة تطل على الدهشة، أعرف أني مثل عداء خسر منذ الأمتار الأولى، فخرج من السباق بلا أي أسف، وواصل السباق وحيداً إلى قاع المدينة، فلا مجال هنا للتأخر أبدا.

وها أنا بكامل سروري، خسرت منذ البداية ولم انتظم معكم في سباقكم المحموم والمزدحم، للحصول على الحياة والوصول إلى نقطة النهاية وهي موتكم الموعود بلا أدنى انتباه منكم..!

غافلتكم جميعا وصعدت إلى سطح الغابة، ألون وأرسم صوت من أحب ولا أحب..!

لينا أحمد نبيعة