ثقافةصحيفة البعث

ابتسامة طفل.. بخمسين ليرة

 

كنت أنتظر انتهاء أيام معرض دمشق الدولي كي أكتب عنه، عن الأيام التي تمر بلمح البصر، والذكريات التي تخلّفها، والتي تتحول فيما بعد إلى ابتسامات من حنين.

وبينما أقف في ساحة الأمويين، بانتظار سيارة أحد الأصدقاء التي ستقلّني إلى مدينة المعارض، سمعت صوتاً طفولياً بالقرب مني يقول: بتشتري قلم خالة.. بـ ٥٠ ليرة..

التفتّ إليه، فإذا هو طفلٌ لم يتجاوز الثامنة من عمره، يحمل بيده رزمة أقلامٍ ويتجوّل بها، علّه يبيع منها “مافيه النصيب” كما يُقال.

اشتريت قلماً دون الحاجة إليه، ولكن رفقاً به، ورفقاً بسؤاله الغضّ، وبطفولته الضائعة، ابتسمَ الطفل لي وذهب، شعرت حينها أنني بذلك حققت له ابتسامةً.. فهل غدا ثمن الابتسامة خمسون ليرة؟.

أستغرب حقاً، كيف لأمٍ وأبٍ أن يتركوا أطفالهم هكذا.. عرضةً للبرد وللحرّ، عرضةً للناس من جميع الأصناف والأشكال، كيف لهم أن يشاهدوا طفلاً يلهو ويلعب، ويتركوا أطفالهم تودّع طفولتها على الطرقات، وبين الزبائن، هذا يشتري، وآخرٌ يزجر، وثالثٌ يستهزئ، ورابعٌ يرثي لحالهم؟.

“فلتنزل اللعنة على أصحاب القلوب القاسية”، قلتها في نفسي وأنا أضع القلم في حقيبتي، واتجهت إلى السيارة التي وصلت “كما قلت”، لتقلّني إلى مدينة المعارض.

كان المعرض في آخر أيامه كما في بدايته، جميلاً وكثيفاً، وغنياً بالزوّار والمشاركين والإعلاميين، كان غنياً حتى بصوت فيروز الذي لم يتوقف منذ انطلاقته.

وكما في بدايته، كان عليّ أن أزور بعض الأجنحة، كي أنهي عملي في كتابة تقارير صحفية عنها.

في الطريق مررت بالكثير من الأطفال برفقة ذويهم، تعلو شفاههم ابتسامات دافئة، تذكّرتُ حينها ذلك الطفل الذي اعترضني في ساحة الأمويين، تذكّرتُ ابتسامته التي تستجدي مني أن أشتري قلماً، ابتسامته التي يغيب فيها الفرحُ، ويده الصغيرة وهو يمسك الأقلام، تذكّرتُ خطواته وهو يمشي مبتعداً عني، وقارنتها بركض الأطفال ومرحهم حول ذويهم.

يا للمفارقة الكبيرة!! لقد أعجبني منظر هؤلاء الأطفال لدرجة أنّني أخرجت جهاز الموبايل كي التقط صورةً لهم، أزيّنها فيما بعد بعبارةٍ لطيفةٍ وأعرضها لمتابعي الفيسبوك، علّهم يشعرون ببعض السعادة التي شعرتها، وما إن نظرتُ إلى جهازي لأصوّر هؤلاء الأطفال، حتى جاءني صوت طفولي يقول: القلم بـ ٥٠ ليرة.. بتشتري قلم..؟  التفتّ إليه بدهشةٍ، إنه ذات الطفل، وأقلامه ذاتها؟.

“فلتنزل لعنة السماء على القلوب القاسية” قلتها مرةً أخرى، ومضيت في طريقي.. دون أن ألتقط أيّ صورةٍ لطفلٍ يبتسم، فهناك أطفالٌ كثيرون ودّعوا ابتساماتهم البريئة على الأرصفة والطرقات.. وبين الزبائن.

مادلين جليس