دراساتصحيفة البعث

مئة عام على رفع العلم العربي الذي ارتضاه السوريون على دار  الحكومة في دمشق يوم 1/10/1918: أسئلة ثلاثة وإجابات تقبل المناقشة

د. جورج جبور

< السؤال الأول: هل من المفيد التعامل مع مناسبة مئة عام على رفع العلم العربي الذي ارتضاه السوريون؟.. الإجابة: نعم.

في 30 أيلول 1918 تم انسحاب آخر جندي تركي من دمشق بعد أن رزحت بلادنا تحت الحكم التركي منذ عام 1516، في اليوم التالي للانسحاب رفع العلم، كان الاحتلال التركي أطول احتلال شهدته بلادنا، قد يعترض البعض على كلمة احتلال، قد يفضلون عليها كلمة فتح، لن أخوض هنا في هذا الأمر، ما جرى في 1516 هو عندي احتلال، في السنوات الأخيرة من ذلك الاحتلال جرت محاولة “تتريكنا” ضمن ما عرف باسم “النزعة الطورانية”، في مرحلة أواخر القرن التاسع عشر كانت العربية، في المدارس الرسمية العثمانية، في دمشق وفي غيرها، تدرس عن طريق التركية، يقوم بتدريسها، في معظم الحالات، مدرّسون عرب.

من المفيد جداً لهويتنا كمواطنين سوريين، أو كمواطنين عرب سوريين، التعامل مع مناسبة إجلاء الجيش التركي عن بلادنا في 30 أيلول، وما تبعها من رفع العلم، هذا في الأوقات العادية، فكيف في أوقات كالتي نحن فيها الآن،  وتركيا تعتدي علينا وتحتل قسماً من أرضنا، وتمعن في الإفصاح عن نيتها اقتطاع جزء من جغرافية دولتنا، حين يقول أحد كبار سياسييها إن أي هجوم يقوم به الجيش السوري على إرهابيي ادلب التي تحميهم تركيا إنما هو اعتداء على تركيا بالذات؟.

في 1/10/ 1918  رفع العلم العربي على دار الحكومة.

هل كان علماً وطنياً؟.. الإجابة: نعم، هو العلم العربي الذي رفعه الشريف الحسين بن علي لدى إعلانه الثورة على الأتراك، ثورة أيده فيها أحرار العرب، هو علم ارتضاه السوريون فرفعوه، لدينا الآن بعد نيف وقرن على ما عرف بـ ” الثورة العربية الكبرى” تحفظات كثيرة على العلم وعلى الثورة، الخوض في هذه التحفظات ضروري ويطول، والمراجعة واجبة دائماً، إلا أنه من الثابت أن ذلك العلم كان موضع حفاوة من سكان دمشق، ومن السوريين بوجه عام.

ثم فلنلاحظ أن انسحاب الأتراك من سورية لم يكن كاملاً بانسحابهم من دمشق، لم يتم الانسحاب من سورية بحدودها الحالية إلا في مرحلة لاحقة، إلا أن رفع العلم على دار الحكومة في دمشق يرمز إلى استقلالية عن الأتراك، استقلالية ما لبثت أن تمتعت بها سورية كلها.

< السؤال الثاني: ما الهدف من التعامل؟.

الإجابة: تغذية الشعور بالمواطنة، مواجهتنا للأتراك قبل عام 1918، ومواجهتنا لهم الآن تغذي شعورنا بالمواطنة النضالية، تلك نقطة أولى، ثم إن المئوية مناسبة لاستعراض ما قمنا به خلال قرن من الزمن، أين نجحنا، وأين فشلنا في مئة عام، بل قبل الحديث عن النجاح والفشل في الإنجاز، يصح أن نتساءل بمناسبة المئوية: هل وضعنا، يوم رفعنا العلم، تصوراً واضحاً قابلاً للتطبيق لما نصبو إليه في ظل العلم الذي ارتضيناه لأنفسنا؟.

في كل حال، نحن اليوم في دولة سورية واضحة الحدود الجغرافية بمقتضى شرعيتنا التي تشمل  لواء اسكندرونه، أليس في الحفاوة بمئة عام على رفع العلم تغذية للشعور بالمواطنة؟ أليس في مراجعة الذات بمناسبة المئوية تغذية للشعور بالمواطنة؟ الإجابة ثانية: نعم بالتأكيد، فلنقدم على مزيد من التعرف على وطننا لكي نحبه أكثر، ولكي نمارس فيه مواطنيتنا على نحو أفضل.

< السؤال الثالث: من المنوط بهم الحفاوة بمئوية رفع العلم؟.

الإجابة: كل مواطن من موقعه، وكل هيئة حكومية أو غير حكومية من موقعها، كما يفعل الواحد منا حين يتذكر في أحد أيام السنة أنه في مثل ذلك اليوم كانت ولادته، فليفعل بمناسبة المئوية.

يفضل بعضنا أن يستعرض ما مر به في العام الفائت، يفضل بعض آخر أن ينهمك في وضع مخططه للعام القادم، قد يقدم أحدنا على إقامة حفل عيد ميلاد صاخب،  وبالمقابل، قد تمر المناسبة على أي فرد منا دون أن يتذكرها، أو أنه قد يتذكرها فيحاول نسيانها، لكل شأنه.

أما الهيئات فأمرها أقل عفوية، ولا الحديث عن الهيئات غير الحكومية، حين تكون لدينا جمعية اسمها ” جمعية أصدقاء دمشق”  فمن توقعنا منها ألا تهمل ذلك اليوم، وحين تكون لدينا رابطة اسمها ” الرابطة السورية للأمم المتحدة”، فمما نتوقعه منها أن تحدثنا عن التنظيم الدولي وأثره على سورية في مئة عام، وقد حدث هذا الأمر يوم الخميس في 20 أيلول مستفيداً في الوقت نفسه من يوم السلام العالمي في 21 أيلول من كل عام.

أما الهيئات الحكومية المعنية فهي تواجه في أيامنا هذه مهمات تأمين الاحتياجات اليومية للمواطن مقترنة بجهودها في إعادة البناء، هي أقدر مني على تحديد ما تستطيع وما لا تستطيع القيام به في حفاوتها بالمئوية.

انتهت الأسئلة الثلاثة والإجابات عنها، وكلها قابل للمناقشة التي قد تفضي إلى النقض، ويبقى أن أمامي على الورق وليس في بطن الحاسوب- وأنا أنضد هذه الكلمات– اقتراحات قدمتها يوم 21 آب 2017  في محاضرة عامة بالمركز الثقافي العربي بدمشق (أبو رمانة) بتنظيم من أمانة دمشق للثوابت الوطنية، ويطيب لي أن أعيد التذكير بها:

– تسمية أيام إضافية للحفاوة الوطنية، كأن يكون لكل وزارة يومها، اقترحت الفكرة على وزير الثقافة في 3 أيلول 2014 فأقرت، وأصبح لدينا يوم، بل أيام باذخة لوزارة الثقافة، من المناسب أن يكون لوزارة الخارجية يومها وهو- عندي– التاسع من الشهر الثالث، في مثل ذلك اليوم من عام 1920 ظهرت لأول مرة في وثيقة رسمية بدمشق كلمة
“وزارة الخارجية”، أثير هذا الأمر في مؤتمر وزارة الخارجية  قبل فترة.

– العناية بالدراسات السورية بمختلف الوسائل وأولها إحداث مؤسسة ورابطة.

– تبني قائمة بالوقائع السورية في مئة عام، من الواجب أن تكون لنا سردية متفق عليها لمئة عام من رفع العلم، وفي الوقت نفسه لا ينبغي للسردية المتفق عليها أن تلغي التباين في النظرة إلى بعض الوقائع، وأحيي من هنا شاباً التقيت به في الشارع العام قبل بضعة أشهر عرفني بنفسه وقال لي إنه يعمل في إعداد مثل هذه القائمة، وربما أنه فعل، وربما أن وسائل إعلامنا الثقافية لم تعلمنا بما فعل، إن فعل، وربما أنني شخصياً لم أعلم.

– زيادة عدد المتاحف في مختلف المدن، وإحداث متاحف أو مراكز تاريخية متخصصة مثل متحف رؤساء الدولة السورية، فالرئيس، مهما كانت ظروف رئاسته، هو رمز الدولة الأول.

في ذلك اليوم من آب 2017 ختمت محاضرتي بتوجيه التحية إلى مركز الوثائق التاريخية، وإلى مكتبة الأسد، وإلى هيئات غير حكومية كجمعية العاديات، وإلى هيئات خاصة- مثل المركز الذي أنشأه الدكتور سامي المبيض والمختص بتاريخ دمشق – وإلى كل من يبذل جهداً من أجل زيادة الوعي بتاريخ مئة عام من سورية المعاصرة.

أوجه التحية مجدداً، كما أوجه التحية إلى كل من يصل إلى علمي أنه تعامل وتفاعل مع الأسطر السابقة.

إنها الذكرى المئة لولادتنا الجديدة، وكلنا ثقة بأنها، إذ تنقضي، فإننا نقف على عتبة الظفر بتحرير كامل الجغرافيا السورية من الإرهاب ومن داعميه، وإننا سنجبر الأتراك الذين انسحبوا من “دمشقنا” قبل مئة عام على الانسحاب مجدداً من “ادلبنا”،  ومن “شمالنا”، ومن كل بقعة من وطننا الغالي.