ثقافةصحيفة البعث

الغرب عرفنا أكثر مما عرفنا أنفسنا

 

اقترفت أيادينا عبر التاريخ جريمة نكراء سببت خسارة كبيرة في آثارنا، وللأسف مازلنا نخسر حتى الآن كنوزاً لطالما اعتبرها كثيرٌ منا بلا قيمة، رغم أنها كانت أعمدة للتاريخ ونقطة البداية التي سطرت حضارة العرب، وفهمنا رسالة التطور بشكل خاطئ وأنكرنا وتخلينا عن قديمنا بحلة الجديد ظناً منا بأننا نتحضر ونتطور، وصرنا نبيعها للغرب بأثمان بخسة مهما علت، وشيئاً فشيئاً فقدنا لذة الماضي وأهمية التاريخ ولم نحسب حساباً للأجيال التي ستأتي من بعدنا، تُرى هل سيعرفون تاريخهم أو من كانوا وكيف أصبحوا؟.
من بين هذه الآثار التي فقدناها تلك المخطوطات عظيمة التاريخ والتي صبّ ملوك وأمراء أوروبا جلّ اهتمامهم في نقلها من بلاد الشرق، وتنافسوا عليها بشراسة لينشئوا بعد ذلك مكتبات عربية في قلب أوروبا.
وقد قام عملاء من جميع أنحاء الشرق بتسويق هذه الكتب بأثمان في الغرب، ليتورط أشخاص كثيرون ممن فضّلوا درهماً على أنفس الكتب، معظمهم كانوا متسمين بالدين ومن كان يرجع إليهم أمر المدارس والجوامع، فخانوا الأمانة وتصرفوا بما ليس ملكهم، ويكاد لا يوصف مدى الاهتمام والإنفاق الكبير الذي بذله الإفرنج لامتلاك تلك الثروة العلمية..
وانتشرت تلك المكتبات المكنوزة بالمخطوطات العربية في أوروبا، منها مكتبة الفاتيكان وما أنفقه البابوات فيها من أموالٍ في التنظيم والتنسيق لتغتني بكمية وافرة بتآليف علماء الشرق، وكلف إقليميس الحادي عشر، الذي كان من أشهرهم وأكثرهم شغفاً بالجمع، عالماً لبنانياً وهو إلياس السمعاني ليعثر على ما يستطيع من المخطوطات في سورية ولبنان وفلسطين ومصر، ومن ثم كُلف عالماً آخراً بجمع المخطوطات العربية والسريانية والقبطية والحبشية لإغناء المكتبة الواتيكانية.
احتلت إيران المرتبة الثانية في الدول التي اقتنت مخطوطات ويقدر عددها بحوالي مئتي ألف مخطوط، كما أنشأت فرنسا لتلك المخطوطات الشرقية ركنا كبيراً في مكتباتها لتكون مكتبة الأمة ذات أهمية بسبب المخطوطات الثمينة، واشتملت المكتبة البريطانية 15000 مخطوطة منها ما كان قد أهدي للجمعية الملكية واشتراها المتحف البريطاني، أما المكتبة السليمانية في تركيا فنسبة المخطوطات فيها 73% وعددها 48854، وحوت ألمانيا 40 ألف مخطوط وما يزيد على 55 ألف في الهند، وبالتأكيد كان للعدو الصهيوني نصيب من فلسطين المحتلة فقد استولت على 30 ألف كتاب ومخطوطة، وأعلنت أنها تمتلك مجموعة تيجان دمشق وهي مخطوطات عبرية سرقت من الشام قبل أعوام.
قدمت الدور الأوروبية أجمل ما لديها من تلك المخطوطات ضمن أفخم المعارض وأضخمها احتوت على رقوق نادرة وخطوط غريبة الأشكال ومصاحف ومصنفات كتبت في عصور مختلفة، وفي الاسكوريال الذي يبتعد عن مدريد خمسين مترا أقيم معرض ضم ألفا مجلد من الكتب العربية وقد حوى هذا الدير ثلاثة آلاف مخطوط إلا أن حريقاً نشب به أدى إلى خسارة هذه المخطوطات.
هذه المعارض الكبيرة التي اهتمت بأغلى ما لدينا وصرفت من الأموال ما استطاعت حتى تُجرّدنا من تاريخنا وتسرق منا ما ترك لنا أجدادنا من العلم مالا يستطيع أحد أن يقرأه كل العمر ونحن من ساهمنا في تقديمها لهم على طبق من الفضة، كما يقال، وفرحنا وهللنا بثمنها الذي تبخر مع الأيام ليبقى لديهم التاريخ ولا يبقى لنا سوى حفنة من تراب. فأي جريمة ارتكبت وترتكب يومياً في زمننا هذا.

ريم حسن