“زوال”.. أفكار متكررة وإخراج متواضع
يختلف الفن المرئي عن أي فن إبداعي آخر، لأنه من أكثر الفنون تواصلاً مع مختلف شرائح المجتمع، ولاسيما بعد أن حلت الشاشة الصغيرة ضيفاً إجبارياً على معظم بيوت الناس، ونجحت في أخذ الكبير قبل الصغير من الكتاب، والمجلة، ودور السينما، وشده بريقها الأخاذ من خلال ما تقدمه من برامج متنوعة، وأعمال درامية مختلفة غالبا تجد شهر رمضان المبارك الفرصة الأهم في عرض وتقديم ما تراكم من أعمال فنية قديمة وجديدة.
يقول العامة (المكتوب يقرأ من عنوانه) وفي الصحافة يجب أن يعبر العنوان عن جوهر النص، أو أهم نقطة فيه، وفي المسلسل التلفزيوني الذي عرض قبل ثلاثة مواسم رمضانية ويتم عرضه حالياً على شاشة سورية دراما “زوال” تأليف يحيى بيازي، وزكي مارديني، وإخراج أحمد إبراهيم أحمد، حاولنا قراءة هذا العنوان بتمعن من أجل معرفة المقصود من ورائه لكونه لا يمت لأحداث المسلسل بأي صلة، فالمسلسل لم يتمكن من تحقيق تلك التسلية التلفزيونية، أو يقدم قيمة معرفية اجتماعية، إذ يبقى مجرد محاولة فاشلة لتقديم حياة المهمشين في البلاد على غرار محاولات ناجحة سابقة عرفتها الدراما السورية قبل 2011، واشتهرت تحت مسمى دراما العشوائيات، فالفكرة الأساسية للعمل غير مفهومة، والشخصيات مركبة بطريقة أساءت للمسلسل، ومما زاد الأمور سوءا، وأدخل المشاهد في متاهة أن العمل جاء ليكرس مفاهيم شاذة ومغلوطة لا تتناسب مع قيمنا الإنسانية، وصور على أن العشوائيات هي الملاذ لكل هذه المفاهيم، ولا أعرف كيف لممثلين كبار أمثال سلوم حداد، ونادين خوري، فادي صبيح، باسم ياخور وفاء موصلي، وغيرهم أن يزجوا تاريخهم الحافل بالأعمال الجليلة والكبيرة في هكذا مسلسل رديء نصاً وتمثيلاً وإخراجاً، لذلك يستحق المسلسل أن يسمى مسلسل المفاجآت، ليس للانعطافات الحادة في أحداثه، أو للتشويق في حبكته فحسب، وإنما لكم المعلومات الطازجة والمدهشة التي قدمها.
هذا المسلسل نورني فصرت أعرف ولأول مرة ما تحتويه هذه العشوائيات من فوضى فقط، دون تسليط الضوء على الايجابيات التي تحتويها أيضاً، وكذلك صرت أعرف أن في الدنيا صراعاً مستميتا بين الخير والشر، وأن الخير ومهما طال الزمن سوف ينتصر.
لقد احتاج منا هذا المسلسل الهوليودي إلى جهد كبير، وتركيز عال في المتابعة، ذلك أنه وضعنا وجهاً لوجه أمام أسئلة عميقة ومحيرة، فأمام كل حلقة بل وكل مشهد كنت أتساءل كم مرة سمعت هذه الحكاية من قبل، في كم قصة وكم رواية وكم كتاب مدرسي وكم مسلسل إذاعي أو تلفزيوني سمعت هذه الجملة أو تلك.
والسؤال الأهم والأكثر تركيباً هو من أين أتى المخرج بهؤلاء الممثلين، ومن أين جاء هؤلاء بكل هذا الجمود وبرودة الأعصاب.. (بمناسبة الحديث عن التركيب أعتقد أن أحدا من هؤلاء الممثلين لن يخجل من الاستطراد في وصف دوره المركب جداً والذي لعبه في المسلسل) الآن لنرفع مستوى النقد قليلاً، ولتسمحوا لي باستعارة بعض المصطلحات من معجم النقد الحديث.
هذا المسلسل مفتوح على دلالات عديدة بل لا متناهية فبإمكانك أن تتابعه على أنه مسلسل جاد يصيبك الغم والاكتئاب، وبإمكانك أن تتابعه في الوقت نفسه، وهنا المعجزة على أنه مسلسل كوميدي، فتضحك من أعماق قلبك على سذاجة الطرح والشخصيات، وبإمكانك أيضا أن تعتبره عملاً للأطفال والناشئة، وبالمقابل لك أن تعتبره عملاً للكبار ولكن الأفضل طبعاً، وهذا رأي شخصي، لو كان عملاً مخصصاً للكبار جداً أي الذين فقدوا حاستي السمع والبصر وبلغوا من العمر عتياً على الأقل.
أخيراً..ألا يقال إن العمل المهم أدبياً أو فنياً هو الذي يضيف لك تصورات جديدة أو يقلب لك تصوراتك عن العالم. هذا المسلسل فعل بي شيئاً مشابهاً فأنا المتشائم والمحبط صرت أرى العالم جميل جداً بشرط وحيد أن يخلو من دراما على هذه الشاكلة.
مهند الحسني