ثقافةصحيفة البعث

شواهد الزلازل التاريخية على الآثار في سورية

لطالما عرف الإنسان ظواهر مختلفة من الطبيعة وكان تفسيره لها في البدايات كونها تعود إلى قوى خرافية، ومن هذه الظواهر كانت الزلازل فاليابانيون رأوا أن الزلازل نشأت من تقلب سمكة سلور ضخمة تحت سطح الأرض، وسكان أمريكا الأصليين اعتقدوا أن الأرض تحملها سلحفاة عملاقة، وغيرها الكثير من التفسيرات. وربما يعود التفسير العلمي الأول لأسباب الزلازل إلى الفيلسوف ابن سينا حيث عرفها بأنها حركة تعرض لها جزء من أجزاء الأرض بسبب ما تحته، والجسم الذي يتحرك تحت الأرض ويحركها إما بخاري دخاني قوي الاندفاع كالرياح، وإما جسم مائي سيال وإما جسم ناري، وإما جسم ارضي. هذا ما تحدث فيه كمقدمة الأستاذ الدكتور ميخائيل معطي في محاضرة “شواهد الزلازل التاريخية على الآثار في سورية”، التي أقامها مجمع اللغة العربية. وتطرق د.معطي لمعرفة أسباب الحدث الزلزالي فالقارات التي نعيش عليها من الأرض قشرتها وهي في حقيقتها صفائح أو ألواح صلبة تعوم على طبقة لزجة مؤلفة من مواد وفلزات منصهرة بفعل الحرارة العالية جداً في باطن الأرض، وهذه الحرارة تولد تيارات تؤثر حركتها على صفائح القشرة الأرضية أي القارات فتسبب تشققها وحركة الصفائح بطيئة جداً حيث لا تتعدى بضعة سنتيمترات في العام الواحد. ولمعرفة طبيعة الأحداث الزلزالية في منطقة ما، لابد من الإحاطة بأكبر قدر من المعلومات عن الزلزال التي ضربت المنطقة منذ أقدم العصور حتى الوقت الحاضر وكلما كانت هذه المعلومات وفيرة كلما كانت نتائج دراستها وتحليلها دقيقة وموثوقة. وتابع د.معطي معدداً مصادر المعلومات عن الأحداث الزلزالية بالقول: ثلاثة مصادر نستقي منها المعلومات أولاً مصدر آلي وهو عبارة عن أجهزة قياس الهزة الأرضية أو محطات الرصد الزلزالي ويعود تاريخ إقامة هذه المحطات إلى القرن التاسع عشر، المصدر الثاني تاريخي وهو ما دونه المؤرخون عن الزلازل القديمة، فنظراً لقصر تاريخ إقامة محطات الرصد وبقائها عاجزة عن الإحاطة بطبيعة الأحداث الزلزالية تبرز الحاجة إلى المدونة التاريخية، والمصادر التاريخية عن سورية تحتل الصدارة نظراً لتاريخها الضارب في القدم. المصدر الثالث آثاري وهو الشواهد التي ما تزال آثار الزلازل المدمرة ماثلة على أطلال المدن التاريخية والقلاع القديمة، ووفرة الآثار في سورية سمحت بدراسة شواهد الأحداث الزلزالية وتحديد الشدة القصوى التي بلغتها تلك الأحداث في كل موقع أثري.

وبيّن المحاضر المدن والمناطق التي طالتها الزلازل، فسورية تعرضت في الماضي البعيد إلى العديد من الهزات الأرضية العنيفة المدمرة، وقد تكون من أكثر البلدان التي ضربتها الزلازل في الماضي لوقوعها على طرفي أضخم كسر في القشرة الأرضية والمعروف باسم “فالق المشرق”، وأوضح ما يبدو للعيان من آثار هذا الكسر هو ما حدث على القناة الرومانية القديمة في قرية الحريف الواقعة إلى الشمال من مصياف، ومن المناطق الأثرية الأخرى عدد الدكتور دير سمعان، البارة، سرجيلا في جبل الزاوية، مملكة أفاميا وقلاعها مثل قلعة شيزر وقلعة المضيق، حصن سليمان، قلعة الحصن أو حصن الفرسان، مدينة تدمر، مدينة الرصافة التي تقع على بعد ٣٠ كم من مدينة الرقة، قلعة جندل إحدى قرى جبل الشيخ.

وعن أهمية دراسة شواهد الأحداث الزلزالية تحدث المحاضر عن دراسة أقيمت على الشواهد الأثرية سمحت بوضع خريطة مناطق تساوي الشدة الزلزالية في سورية، تم فيها تصنيف المناطق بحسب درجة الخطورة التي تسببها الزلازل، حاول العلماء الاستفادة من هذه الأهوال والكوارث الزلزالية في الكشف عن بعض أسرار طبيعة الكوكب واستخلاص النتائج التي تحد من خطورتها والتي منها: الكشف عن بنية الكرة الأرضية من خلال الأمواج الزلزالية القوية، تحديد تواتر الأحداث الزلزالية التاريخية بحسب الموقع الجغرافي وصولا إلى التنبؤ بزمن وقوع الزلزال، لذلك فإن معرفة المدة الزمنية بين نشاط زلزالي ونشاط آخر لاحق على درجة كبيرة من الأهمية لأجل تحديد فترات الدورات الزلزالية وبالتالي للتنبؤ بحدوث الزلزال في حدود زمنية تقريبية ويتطلب هذا الأمر مجموعة من الدراسات مثل رصد الغازات المنبعثة من التربة، استخدام خرائط الزلازل القديمة لمعرفة تكرارية الهزات، قياس الحركة على طول الفوالق باستخدام الأقمار الاصطناعية، تغير مستوى المياه الجوفية، وتغير استطاعة نقل الصخر للتيار الكهربائي.

ونوه د. معطي أنه إذا كانت البحوث العلمية المتعلقة بالزلازل لم تتوصل بعد إلى التنبؤ بحدوث الزلزال على مستوى الشهر أو السنة، فهذا الأمر يدعو إلى الاهتمام بهذه البحوث كي تبين لنا درجة الخطورة أو الأمان في المواقع التي نقيم عليها منشآتنا السكنية والعمرانية، وأن نهيئ أسباب الوقاية من الخطر المحتمل، والحكمة تقول: “درهم وقاية خير من قنطار علاج”.

عُلا أحمد