لعبة ترامب الخطيرة في العراق
ترجمة: هيفاء علي
عن لوغراند سوار 25/9/2018
في الوقت الذي يهيمن فيه التدخل الأجنبي في الانتخابات الأمريكية على السياسة الداخلية في الولايات المتحدة، يبدو أن إدارة البيت الأبيض لا تدرك أن جهودها الواضحة للسيطرة على السياسة العراقية يمكن أن تعزّز حركة مقاومة حقيقية ذات عواقب وخيمة بالنسبة لها. إذ تشهد مدينة البصرة الواقعة جنوب العراق، الغني بالنفط، موجة جديدة من الاحتجاجات العنيفة، حيث وقعت مشاحنات بين قوات الشرطة والمتظاهرين أسفرت عن مقتل ستة متظاهرين وجرح عشرات آخرين.
يطالب سكان البصرة بمياه الشرب النقية الصالحة للشرب، والكهرباء والعمل والبنية التحتية الأساسية في البلاد التي يفتقرون إليها بسبب الغزو الأمريكي وتدمير البنى التحتية من جهة، والفساد المتفشي وعدم كفاءة صانعي السياسة والقادة من جهة أخرى. تساهم هذه الاحتجاجات في إحراج الحكومة الحالية بقيادة رئيس الوزراء المؤقت حيدر العبادي رجل أمريكا القوي.
في السياق، قامت مجموعة من الأحزاب العراقية بتهديد واضح ضد “الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسياسيين العراقيين إذا استمروا في التدخل في العملية السياسية”، وخاصة في انتخاب الحكومة الجديدة وقادتها، ما يشهد على صعود حركة مقاومة ضد الولايات المتحدة التي يبدو أنها لا تدرك ذلك. بعض العراقيين على الأرض لا يستبعدون قيام ثورة في عام 2018 في البصرة ضد الولايات المتحدة وحلفائها في الحكومة، وهو ما يذكّر بالثورة العظيمة في بغداد عام 1920 ضد البريطانيين.
مع صعود “داعش” واحتلال الموصل وثلث العراق عام 2014، تشكّل الحشد الشعبي ليكون رديفاً للجيش العراقي الذي أُعيد تنظيمه، وللشرطة الاتحادية حيث تمكنوا مجتمعين من إلحاق الهزيمة بـ”داعش”. فيما بعد انضم العديد من هؤلاء المقاتلين إلى القوات النظامية الرسمية، لكن العديد من غيرهم عادوا إلى أحزابهم السياسية وحافظوا على استقلالهم. هؤلاء المقاتلون لديهم سبب جديد اليوم لحمل السلاح وشنّ حرب جديدة ضد القوات الأمريكية أو ضد أولئك الذين يمثلونها، ما دفع العديد من الأحزاب السياسية لتوجيه تحذير شديد اللهجة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا للتوقف عن تدخلهما في الشؤون الداخلية العراقية.
حقيقة، ثمة مؤامرة أخرى قذرة تحيكها الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الساسة العراقيين لتقسيم العراق وإقامة حكومة ضعيفة بغية استخدام العراق كمنصة للهجوم البري على إيران. يقود هذه المؤامرة بريت ماكجورك، المبعوث الأمريكي إلى العراق، وثامر السبهان، السفير السعودي السابق في العراق. وكردّ على ذلك، جاء في بيان الأحزاب العراقية: لدينا القدرة على التدخل في الوقت المناسب لإحباط هذه المؤامرة، لأننا اليوم أقوى من أي وقت مضى. هدفنا هو حماية مصالح شعبنا والحفاظ على عملية الانتخابات الديمقراطية خالية من التدخل. وطالبت أن يتوقف بعض قادة
“حزب الدعوة” عن ممارسة سلوكهم اللامسؤول ورفض هذه المؤامرة المثيرة للاشمئزاز ورفض الوجود غير الشرعي للقوات الأمريكية في العراق.
تجدر الإشارة إلى أن سبعين في المائة من احتياطات النفط موجودة في مدينة البصرة، التي تقودها القبائل والناشطون المحليون، الذين دعوا الحكومة مراراً وتكراراً إلى دعم المقاطعة ومعالجة الأسباب الجذرية للأزمة.وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي قد زار البصرة في تموز الماضي وقدّم العديد من الوعود لتوفير الأموال الكافية لتلبية المطالب المحلية، ولكن دون نتائج ملموسة.
توقفت إيران عن تزويد البصرة بالكهرباء بعد مطالبتها بسداد فواتير غير مدفوعة تصل إلى 1.5 مليار دولار، ولكن سرعان ما أعادت هذا الإمداد بالكهرباء من البصرة والمحافظات الجنوبية الأخرى بعدما أعطى السيد علي خامنئي الأمر.
يريد الأمريكان، إضعاف العراق من الداخل، لكنهم سيواجهون معارضة قوية من قبل عدد كبير من أنصار المقاومة الفائزة بالانتخابات العراقية الأخيرة التي تعارض وجود الولايات المتحدة وهو ليس في مصلحتهم، الأمر الذي دفعهم لتغيير قواعد اللعبة.
فإذا كانت الولايات المتحدة ما زالت تعتقد أنه بإمكانها فرض مرشحها، فعليها أن تأخذ بعين الاعتبار الإشارات المبكرة للمقاومة، والتي هي على استعداد لضرب ليس فقط القوات الأمريكية، ولكن أيضاً حلفاءها داخل العراق. فهل الولايات المتحدة على استعداد لمواجهة انتفاضة جديدة ضد قواتها في العراق؟.