أيها الإسرائيلي.. حان وقت الاستسلام
الأحداث الكبرى والحرب بالتأكيد حدث كبير في تاريخ المجتمعات الإنسانية تترك بصمات واضحة على الأدب والفن، لأن الحياة بعمقها وسطحها بأفراحها وأتراحها هي ينبوع الخلق والإبداع، وحرب تشرين عام 1973 كما جاء في كتاب “ضوء المتابعة” للدكتور رياض عصمت كانت حدثاً هاماً، لأنه بلور هموم الحياة الأساسية في بؤرة محددة مضيئة ليجعل لليوم والمحسوس بُعد الفكر والفلسفة، مؤكداً أن تأثير الحدث الهام عادة لا يكون مباشرة. ويذكر عصمت في الكتاب ما قاله نجيب محفوظ جواباً على سؤال وُجّه إليه في أحد اللقاءات حول تأثر ما يكتبه حالياً بحدث حرب تشرين بما معناه: “الأدب الجيد لا يتأثر بسرعة بالأحداث الراهنة بل يختزنها كي تختمر للمستقبل”.. إن آثار حرب تشرين للأدب قد لا تظهر في السنوات الراهنة بشكل أصيل وعميق فظهورها الحقيقي قد يبدأ بعد 10 سنوات من هذا التاريخ وليس بشكل آني كما يعتقد بعضهم، موضحاً د. عصمت أن في كلمات الكاتب محفوظ قدراً كبيراً من الصدق والصحة فهو لم يكتب ثلاثيته الشهيرة إلا بعد تاريخ أحداثها الحقيقي بزمن طويل، ولم يلجأ إلى القصة القصيرة المجددة والمسرحية القصيرة المجربة إلا كوسيلة لرصد ومتابعة واقع سريع التغيير، لكنه مع ذلك في تلك الأعمال وفي مجموعة قصصه التي تضم مسرحية سياسية لا معقولة شكلاً لم يلجأ إلى المباشرة أو إلى رسم صورة كاملة للواقع الراهن، بل ترك كعادته في نهاية أعماله النهاية مفتوحة تتساءل عن الحل تساءُل كل الناس، ولا يختلف عن محفوظ في رأيه حول أدب الحرب كاتب كبير آخر هو د. يوسف إدريس الذي لم يكتب عملاً ذا تأثر مباشر بالحدث السياسي انطلاقاً من أن الفن على مختلف مدارسه رديف للواقع وليس تابعاً له.
حدث كبير
في كتابه “ضوء المتابعة” عمد د. رياض عصمت إلى تحليل نحو 40 مسرحية ذات أشكال ومضامين متفاوتة ليقدم تحليلات نقدية حول حول الأعمال الفنية العربية وتوجهاتها.
وتحت عنوان مسرح ما بعد حرب تشرين 1973 في سورية، أشار إلى أن الأعمال التي ظهرت عقب حرب تشرين قليلة، أحدها مسرحية “الغرباء” لعلي عقلة عرسان التي صدرت مطبوعة عن وزارة الثقافة ومسرحية قصيرة لمصطفى الحلاج هي “أيها الإسرائيلي حان وقت الاستسلام” منوهاً إلى أن إلهام الحرب للمؤلفين المسرحيين كان قليلاً، معتقداً أن أحد أسباب هذه الظاهرة هو صعوبة رصد حدث كبير متعدد الجوانب كالحرب عبر المسرح، مما يجعل دور هذا الفن مقتصراً على تناول بعض جوانبها غير المباشرة، إلا أن السبب الرئيسي كما يراه عصمت يعود إلى أن المسرح قد ملّ فكرة الصراع المباشر بين خصمين أحدهما يرمز للعرب والآخر لإسرائيل، في الوقت الذي لم يعد التعرض لجوانب الصراع الداخلي بين الجوانب السلبية والإيجابية وارداً، وذلك بسبب الانبهار بالصمود العربي واستعادة الثقة بالقدرة على إلحاق هزيمة بالعدو بحيث طغى التفاؤل في الأدب عموماً والمسرح خصوصاً على جوانب التشاؤم والنقد الذاتي، حيث قفز المقاتل العربي في تشرين فوق خندق الخوف والاستكانة.
ضيعة تشرين
ومن المسرحيات التي توقّف عندها د. عصمت في كتابه “ضيعة تشرين” لمحمد الماغوط ودريد لحام، مشيراً في بداية كلامه عنها أن لاسم محمد الماغوط في عالم الشعر من الاحترام والثقة ولاسم دريد لحام في الكوميديا من الجماهيرية والمحبة ما يكفي لإنجاح أي عمل، من هنا.. من هذه الثقة بإقبال الجماهير وحبّها تجسّد هذه العمل فهو يملك جميع المواصفات التي تؤهله للنجاح من كاتب رشيق العبارة إلى ثنائي ضاحك ذائع الصيت إلى فرقة دبكة تضم نخبة من الراقصين إلى وجهين من ألمع وجوه ممثلينا الشباب هما “أسامة الروماني وياسر العظمة” إلى ديكور فخم التصميم وأغنيات سجّلت خصيصاً لها، وقد جاءت المسرحية عبارة عن مسرحية ناقدة بسخرية لجميع الحكومات التي مرّت على القرية عبر شخصية المختار متهكمة عليها، لأنها هي نفسها مع تغيير القناع فقط، إلى أن يأتي المختار ليقرر حرب تشرين التحريرية ثم يعلن النصر في جو احتفالي كبير، في الوقت الذي نعلم فيه أن أبا صالح (دريد لحام) قد اُستشهد خلال المعركة أيضاً.
أيها الإسرائيلي حان وقت الاستسلام
هي عنوان مسرحية لمصطفى الحلاج يصفها د. عصمت بأنها مسرحية صغيرة بسيطة درامية البناء، يكثّف الحلاج الحدث فيها في مكان وزمان واحد، ويمنح الشخصيات حرية الحركة والصراع، الموضوع فيها مستمدّ مباشرة من حرب تشرين التحريرية من خلال طيّار إسرائيلي جريح يلتجئ إلى بيت فلاحة وحيدة مع طفلها يهددها بمسدسه ويجبرها على إسعافه، لكن إيمانها بعدالة قضيتها يجعلها تنتصر عليه نفسياً وتجبره على الاستسلام، مشيراً د. عصمت إلى أن المسرحية لا تخرج في إطارها العام عن النهج الذي رسمه الحلاج لنفسه كمؤلف مسرحي، وهو نهج مدرسة تعبيرية محافظاً في نصه على خط درامي ونفسي متّصل ومتطور يسبغ المسرحية بطابع أصيل من الصراع المستمر حيث القوة المهاجمة (الإسرائيلي) تواجه القوة المدافعة (المرأة) وما يلبث الموقف البطولي أن يبلور الشكل النهائي للصراع الذي يبلغ عند القوة المدافعة حد الاستشهاد، لتكتب نهاية الصراع لمصلحة الفلاحة حين يسّلم الإسرائيلي سلاحه للمرأة ويختار أن يساق أسيراً بدلاً من أن يفقد حياته ثمناً لأسطورة دسها زعماؤه في رأسه.
وكانت الفنانة منى واصف هي التي جسدت دور الفلاحة والفنان رياض نحاس هو الذي جسد دور الإسرائيلي، وقد قدما عرضاً لهذه المسرحية في مهرجان مسرحي عربي جرى في المغرب وحظي بإقبال جيد نظراً لسمعة نضال المقاتل العربي والمشاعر الوطنية اتجاهه واتجاه سورية.
أمينة عباس