عندما تكون سيد قرارك
الآن، بدأ يتضح للجميع لماذا اختارت سورية طريق المواجهة مع الغرب وأعوانه وأدواته، ودفعت أثماناً باهظة جراء رفضها إملاءات الخارج، الذي كان يريد الوصول في نهاية المطاف بسورية إلى دولة فاشلة ملحقة بمعسكر الانبطاح والخذلان ومسلوبة الإرادة والقرار، وبذلك تكون أمريكا وحلفاؤها قد قدّموا خدمة لـ “إسرائيل” لتضع يدها على مقدرات المنطقة وتدفن وإلى الأبد قضية العرب المركزية المتمثّلة بفلسطين، وكذلك الاستمرار في احتلال الجولان وقضم أراض عربية أخرى؛ وما صرحت به معارضة الرياض واسطنبول من أن الكيان الصهيوني ليس عدواً لها يدلل بما لا يدع مجالاً للشك على حال بلدنا لو نجح المخطط الصهيوأطلسي.
بعبارة أخرى ما قدّمته سورية خلال سنوات الحرب جاء دفاعاً عن السيادة الوطنية والهوية العربية الأصيلة واستقلالية القرار، واستطاعت في النهاية بفضل استبسال جيشها في ميادين القتال وصمود شعبها والتفافه حول جيشه وقيادته السياسية إلحاق الهزيمة بمجمل المشروع الهدّام، وها هي سورية بدأت تسلك طريق العودة للتعافي، بل وأفضل مما كانت عليه في كافة المجالات، وأكدت من جديد أنها قلب العروبة النابض، ومن انقلب عليها وتآمر على شعبها، إن كان في الغرب أو في المحيط العربي والإقليمي، بدأ يهرول لفتح قنوات اتصال وإعادة العلاقات معها.
من هنا تتضح أهمية الحفاظ على مفهوم السيادة الوطنية الذي يجعل الآخرين، مهما كانت قوتهم، يحترمون خيارات الدولة، ويرضخون للتعامل معها وفق شروطها ويجعل الأصدقاء يثقون بها ويقدّمون كل ما يلزم للمساعدة في تحقيق التوازن الإقليمي، وهو ما يعطيها قوة دفع إضافية لتثبيت الأمن والاستقرار.
ذلك جعل روسيا تزود سورية بمنظومة “إس 300” المتطورة وكذلك منظومات حرب إلكترونية حديثة، وهذا قلب المعادلة العسكرية في المنطقة وأنهى العربدة الإسرائيلية وجعل قادة الاحتلال يفكرون ألف مرة قبل الإقدام على عدوان جديد. فعامل توازن الردع هام جداً في هذه المرحلة فهو يفوّت على الأعداء فرصة إعطاء التنظيمات التكفيرية جرعة إنعاش عبر تنفيذ اعتداءات تشعرها بعدم التخلي عنها من جهة. ومن جهة ثانية فإن تطوير منظومة الدفاع الجوي السورية يحقق أهدافاً استراتيجية تتمثّل في إنهاء أسطورة تفوق الطيران الإسرائيلي ليلحق بأسطورة “الميركافا” التي دفنت في جنوب لبنان.
الأهم من ذلك أن موسكو قدّمت هذا لدمشق وفق اتفاقات موقّعة بين البلدين، والتي تضمن مصالح الشعبين الصديقين، وجاء في إطار التعاون والتنسيق المشترك المبني على الاحترام المتبادل، حيث أن المبدأ السوري في الحفاظ السيادة مبدأ غير قابل للمساومة بأي حال، وهو ما أعطى سورية بالفعل المكانة التي تستحقها على الساحتين العربية والدولية. في حين أن دول الخليج التي تملك الثروات الطائلة لاتزال تخضع لقانون الحماية الذي تفرضه أمريكا عليها، ويكفي النظر إلى الأسلحة المباعة لها، والتي تصدأ في المخازن، كمثال واضح وصريح لمعرفة الفرق بين دولة تحترم سيادتها على أرضها وأخرى تعتبر وكيلة للغرب وتنفذ بإذلال ما يملى عليها في سبيل الحفاظ على العروش، واتصال ترامب الأخير بـ سلمان بن عبد العزيز والذي أمره خلاله بدفع تريليونات الدولارات مذكّراً إياه بأنه لن يبقى أسبوعاً في الحكم لولا الحماية الامريكية، يوضح المشهد كاملاً.
في النهاية، عندما تكون الدولة سيدة قرارها فهي تكون ممسكة بخيوط اللعبة وقادرة على إدارتها مع الكبار، أما الدول التي ارتضت أن تكون فقط “دفتر شيكات” وتوقّع على بياض عليها، فإن عليها الاستعداد الدائم للدفع وتمريغ أنفها بالتراب.
عماد سالم