ثقافةصحيفة البعث

رماح جوبان: الشعر هبة إلهية

 

 

على مسافة وردتين وقصيدة، تقف الشاعرة السورية “رماح خليل جوبان”، لتكون شهرزاد الحكاية الشعرية، التي تروي بلسان فصيح البيان، ما يعتمل في دواخلها وفي وجدانها، الذي ذهب نحو خيار “الشعر النبطي” أحد أصعب الأنواع الشعرية، ليكون رسولها إلى العالمين.
ابنة “الصالحية” بما فيها من روحانية الشيخ الكبير محي الدين بن عربي، شموخ وحنو جبل قاسيون بامتداده وتنوعه، صدر لها ديوان “حلم” مطلع العام، عنه وعن أشياء أخرى، أخبرتنا رماح عن هذه التجربة أو هذه الحياة، باعتبارها تحيا الشعر وكأنه من تفاصيل حياتها.
< ماهو تعريفك للشعر؟
< < لنتفق منذ البداية، فأنا أدلي برأيي الشخصي عن تجربتي الشخصية ولا أعمم؛ بالنسبة لي الشعر بكل بساطة هو نفحة إلهية في روح الإنسان.
< الغريب أنك اخترتِ واحدا من أصعب الأنواع الشعرية –النبطي- ما السبب؟
< < الشعر النبطي على وجه الخصوص تسلل من روحي الى مسمعي وإلى أناملي وقلمي كما يتسلل دفء الشمس للأرض في باطنها، للأسماك في عمق المحيط للنسغ في مجراه، الشعر النبطي هو من اختارني، هو من يوقظني ويؤرقني، يخرجني من الوعي ليتركني مترنحة في اللاوعي، أحب الدخول إليه ولكني لا أعلم كيف، ويعزّ عليّ الخروج عند نهاية كل قصيدة وأشتاق للمقبلة.
< ما الذي يغريك في القصيدة أشغالها اللغوية، صورها، موضوعها، تقنيتها؟
< < هي بكليّتها، ابتداء من أول حرف بمطلعها وصولا لنهايتها، بصورها البلاغية هي واقعة تنبض بالإحساس الصادق،فهي عندما تزورني، تكون بمثابة “مورفين” حسي، تتحرر فيها روحي من أسر الجسد واللحظة للأثير.
< هل من طقوس خاصة للشاعرات، أم أن كل وقت هو مناسب لمن يمتلك ناصية اللغة؟
< < إن اللحظة التي تقحمني القصيدة بداخل ثناياها هي الحقيقة بالنسبة لي، وهي المتحكم ولست أنا، وعلى خلاف ما يردده البعض بأن المنظر الرومانسي كالغروب والبحر وغيرها، هو مصدر إلهام للقصيدة،أيضا عن نفسي أقول باعتبار الشعر حالة شخصية بحتة، ربما تراكم مشاعر وأحاسيس عميقة تجاه مواقف ليست بالضرورة أن تكون مؤثرة بالعموم لكنها تركت في داخلي أثرا ما، ذاك ما يكون مفتاحا لقصيدة جديدة، ليس هناك وقت مميز لنسج قصيدة، فالشعر ليس آلية عملية، تحتاج لحدود وترتيبات زمنية، إنما هو حالة روحية تنسجم مع أي فكرة أو ومضة أو نسمة إحساس، لا وقت لها ولا موعد.
< دعينا نتعرف على أول أعمالك (حلم)؟
< < هو أول ديوان شعري يشتمل على 11 قصيدة ومقطع بعنوان “يا الغلا”، القصائد تنوعت ما بين الغزل،الفخر، الشوق، اللوم، الندم، الحزن،؛ وفيه قصيدتي الأغلى “شام” وهي ثالث قصيدة في المجموعة؛ عندما كنت ألقي ما سبقها من قصائد على مسامع البعض، كانوا يتساءلون (أنت من وين) فأجيب: أنا من الشام ، يتعجبون، وكأنهم يقولون: شامية وتكتب شعر نبطي؟!
< أين تجدين التغيير في التعبير باعتبار المواضيع ذاتها للشعر عموما؟
< < فعليا أغراض الشعر هي ثابتة منذ آلاف السنين فتتعدد، كالرثاء والمدح، الفخر والغزل والشوق والاعتذار.. الخ، لكن أسلوبية الطرح والمفردات تتغير تبعا لنظرة الشاعر وإحساسه وعمق معانيه وغنى مفرداته وثقافته التي تظهر من خلال القصيدة.
< الشاعرات، قلة هل هو تعويض عن حاجة ما لا تنالها المرأة في مجتمع ذكوري أم شغف؟
< < كما أشرت أنت، الشاعرات قلة ونحن ما زلنا في مجتمع تحكمه عادات وتقاليد لا ينجو حتى الشعر من تدخلها، فالبعض يعتبر الإفصاح عن الشعور كالغزل والشوق والتغني بكل ما له علاقة بالإحساس من امرأة، عيباً، متناسين بأن الكلمة حق وواجب، بالكلمة تستطيع تغيير معتقد وتحوير فكر، رفع ضيم، واحقاق حق ودحر باطل.. الشاعر مؤرخ يحمل على عاتقه مهمة عظيمة فبكلمته وشعره يؤسس لتراث لا مادي لمن سيأتي من أجيال، وبطريقة طرح الفكرة نستطيع تغيير منظور مجتمعات منذ قرون كانت حروبا تقوم وحروبا تنتهي بأبيات شعر.
< البداية حلم، ما هو جديدك؟.
< < نعم، البداية مع الحلم، ولا أدري كم سيستغرق القادم من الوقت، لكنني ما زلت مستمرة، القصائد تكتب كلماتها من خلالي، أنهي بفخر ما أنهي تدوينه، وأتلهف بشوق وشغف للقادم.
< كيف تنظرين كشاعرة للحالة النقدية هل هي مواكبة وحقيقية في تقديمها للشعر والأدب؟
< < بحسب قراءاتي، لا أظن بأن الحالة النقدية الفنية على وجه العموم والشعرية على وجه الخصوص هي ملمة بحال الشعر عموما، محليا وعربيا، الناقد مهمته توصيف ما بين يديه من عمل ابداعي، يستقصي به مواضع النقص والجودة ليصل لتقييم سلبي أو ايجابي وبالحالتين يجب أن يكون متجردا، قلة مِن مَن صادفتهم من النقاد، يعرف ما معنى شعر نبطي، عموما العديد من الحالات النقدية تم بناؤها على آراء غير ناضجة ثقافيا،ولا يمكن اعتبار إلا ما قل منها، تجارب نقدية مكتملة.
< لماذا برأيك قلة هم ممن يتقيدون بالشكل الشعري العربي المعروف بأنواعه، بينما يسير الجميع تقريبا في موكب قصيدة النثر؟
< < أظن أن الالتزام بقواعد ما بشكل عام هو أمر مرهق، وليس الجميع بقادر أيضا على اتقانه؛ القصيدة تلتزم بصدر وعجز، قافية واحدة ووزن لأبيات عديدة، ذاك يحتاج لروح قادرة على تحملها ولموهبة مشغول على رهافتها.
< ماذا يعني أن تكوني امرأة تكتب الشعر؟.
< < المرأة بطبيعتها مفعمة بالإحساس والجمال والسحر، ولطالما كانت كالوطن، مصدرا للشعر والشعراء، فالأنثى التي تستطيع أن تصدر إحساسها لزوج وأطفال وعائلة ولنفسها في المرتبة الأولى، قادرة على توصيف احساسها ورصفه بوزن وايقاع، إن ساندتها الموهبة، ولدينا أمثلة تاريخية عن شاعرات تحدين وتخطين شعراء عصرهن مثل “الخنساء” التي برثائها لأخيها صخر.. حكم لها النابغة الذبياني- وهو كان من يحكم للشعراء وبينهم- بأنها أشعر من أي شاعر وفضلها على الأعشى وحسان بن ثابت.
أما عن نفسي، فأحب كوني الزوجة والأم الشاعرة، الامرأة الشرقية، التي تقول الشعر، تعشق وتتغزل بالرجل والمرأة على حد سواء وتفصح بلا قيود عن نبضها، وهذا ما اشتهرت به الشاعرة الدمشقية عموما، التي كسرت نمطاً سائدا، وأشعرت باللهجة النبطية.
< من هم الشعراء الذين تركوا في داخلك أثرا عميقا لا يقتفى لعمقه؟
< < قرأت كثيرا لشعراء اختلفت أزمانهم وأفكارهم ودوافعهم. لكنه شاعر امتزجت عنده الفروسية بالغزل والعشق بالشوق للحرية والفخر حتى أثناء عبوديته، بالإخلاص لعشقه حتى لو لم ينل الوصل، عنترة بن شداد، من أهم وأشهر شعراء المعلقات.
أما عن شاعر وبليغ في زمانه ترك أيضا أثره العظيم في وجداني، فهو “علي بن أبي طالب”، قصائده وخطبه تعتبر مرجعاً ثرياً في الأدب العربي وعصياً على التقليد، استطاع اخراج الشعر العربي من انزلاقة كبيرة تعرض لها الشعراء المخضرمين الذين دخلوا الإسلام بفترة صدر الإسلام، فقد تعرض الشعر في تلك الفترة لضعف في المفردات بسبب اتجاهه لمدح الدين بألفاظ بعيدة عن الغزل الذي كانت تعرفه العرب في الجاهلية، فخبت جذوة الشعر وتوارت بلاغته فترة، وهذا رأيي ورأي مفكرين كبار ونقاد مثقفين على مر الأجيال.
أختم بمقولتي: أن تخترع فأنت بحاجة لعقل مفكر، أما أن تبدع فأنت بحاجة لروح نابضة، وأيّما روح.
حوار: تمّام علي بركات