ثقافةصحيفة البعث

شعراء الأغنية العربية ..شهرة أم حقوق مستباحة؟

 

 

الكثير من الشعراء العرب ممن شغل شعرهم حيزيا في فضاء الاغنية العربية تحققت لهم شهرة ضاعفت شهرتهم,بفضل الأغنية, كالشعراء نزار قباني ومحمود درويش وسعيد عقل وغيرهم, وشعراء كانت الاغنية هي طريقهم الى الشهرة أكثر من القصيدة المكتوبة أمثال مرسي جميل عزيز وأحمد رامي وكامل الشناوي وبيرم التونسي وصلاح جاهين وكريم العراقي وطلال حيدر وغيرهم, لكن بقيت الحقوق المعنوية لبعض الشعراء مفقودة بسبب غيابهم عن الأضواء رغم الدور الكبير المنوط بهم مع الملحنين في تكوين عناصر الأغنية الناجحة, التي يحصد المغني فقط ثمرة إبداعهم وعبقريتهم على المدى الطويل.

وهناك شعراء ضاعت حقوقهم المعنوية والمادية لأسباب كثيرة منها أنهم ظلوا طي الكتمان او لم يستطيعوا اثبات ملكيتهم لقصائد مغناة حققت شهرة كبيرة لمغنيها, أو خدمت بعضهم المصادفات في وصول قصيدة الى التلحين فحققت مالم يتوقعوه وكانت المحاولة الاخيرة لهم. وهناك أغان نسبت,عن قصد او جهل, لغير أصحابها الذين ظلوا مجهولي الاسم والعنوان.وسنتوقف هنا عند بعض هذه الحالات. وأولها قصة الشاعر العراقي حسن المرواني الذي لحن له كاظم الساهر قصيدته الوحيدة المعروفة باسم “أنا وليلى”, فكانت من أروع ما غنى كاظم الساهر.
يقول الساهر في احد لقاءاته التلفزيونية عندما سئل عن الاغنية:”كنت في الجندية بداية ثمانينيات القرن الماضي عندما التقيت برجل كان يقرأ أربعة أبيات من الشعر. سألته لمن هذا الشعر قال: أنا كتبته, أخذت منه الابيات الاربعة وبقيت معي لمدة خمس سنوات, الى ان ألتقيت بصديق عرضتها عليه فقال لي: أنا أعرف شخصا لديه القصيدة كاملة, بقيت سنوات أبحث عن هذا الشخص إلى أن التقيت حسن المرواني ومعه القصيدة كاملة في بداية التسعينيات, وهو استاذ لغة عربية كتب القصيدة في السبعينيات وألقاها في احدى المناسبات الجامعية ومسجلة بصوته, وقد أدعى اكثر من خمسة اشخاص ملكية القصيدة, وكثر من غنى أبياتا منها دون ذكر الكاتب, ومنهم المطرب العراقي رياض أحمد. ويتابع كاظم إن الشاعر المرواني أعطاه قصيدة أخرى أسمها “الحلم”لم تر النور حتى الآن…” لربما ينتظر الساهر سنوات لكي تضيع حقوق مؤلفها مرة أخرى.
يقول مطلع قصيدة حسن المرواني:
دع عنك لومي وأعزف عن ملاماتي إني هويت سريعا من معاناتي
ديني الغرام ودار العشق مملكتي قيس أنا وكتاب الشعر توراتي
الى المقطع الذي يبدأ فيه كاظم الاغنية ومطلعه:
ماتت بمحراب عينيك ابتهالاتي واستسلمت لرياح اليأس راياتي
جفت على بابك الموصود أزمنتي ليلى وما أثمرت شيئا نداءاتي
قصيدة أخرى غنتها فيروز, شهدت سجالا حول مؤلفها,رغم انها نسبت,تأليفا وتلحينا, للأخوين رحباني, إلا أن كثرا يقولون إنها من إبداع شاعر ورجل دين لبناني اسمه علي جواد بدر الدين (1949-1980 ) برع في نظم الشعر الغزلي وهو في الخامسة عشرة من عمره, لكنه لم يكن يفصح عن غزلياته بسبب وضعه العائلي المحافظ, فكان ينشده فقط, أمام عمه أمين بدر الدين الذي كان عالم دين متنور, وبعض أصدقائه المقربين. وفي إحدى المرات عرض عليه شخص أن يبيع بعضا من قصائده لفك ضائقته المالية. تردد في البداية,لكنه وافق على أن يظل اسمه طي الكتمان حفاظا على مكانة عائلته الاجتماعية والدينية, فكان اللقاء مع عاصي الذي بهر بما وجد عند الشاب العشريني فاشترى أكثر من قصيدة بمبلغ ثلاثين ليرة لبنانية للقصيدة الواحدة حسب الرواية التي نقضها الباحث الموسيقي السوري سعد الله اغا القلعة دون ان يقدم ما يثبت عكس ذلك, مع أن البعض يعتبر أن الاغنيتين المنسوبتين للشاعر بدر الدين ليستا من اسلوب الرحابنة ولا من إيقاعهما الشعري الذي اعتمد بمجمله اللهجة المحكية البسيطة.
تقول الأغنية الاولى:
لملمْتُ ذكرى لقاءِ الأمس بالهُدُبِ ورحْتُ أحضنُها في الخافق التَّعِبِ
أيدٍ تُلوِّحُ من غيبٍ وتغمُرُني بالدفءِ والضوء، بالأقمارِ والشُّهب
كما نسبت قصيدة أخرى للشاعر نفسه وغنتها فيروز مطلعاها
أنا يا عصفورة الشَّجَنِ مِثْلُ عينيكِ بلا وَطَنِ
بي كما بالطفلِ تَسْرُقهُ أوَّلَ الليلِ يَدُ الوَسَنِ
ومن القصائد الاخرى المغناة والتي تعرض نسبها لحنا وتأليفا لسجال وتشكيك, هي قصيدة نسبت للشاعري الجاهلي أمريء القيس وغناها المطربان الراحلان طلال مداح وهيام يونس والتي مطلعها
تعَلِّق قَلْبِي بِطِفْلَة عَرَبِيَّة تنْعِم فِي الْدِّيْبَاج وَالْحِل وَالْحُلَل
لَهَا مُقْلَة لَو انَّهَا نَظَرَت بِهَا إِلَى رَاهِب قَد صَام لِلّه وَابْتَهِل
فقد قال عبد الله بن طلال مداح لإحدى الصحف العام الماضي إن لحن الاغنية يعود للملحن السعودي مطلق الذيابي الملقب ب “سمير الوادي”, فيما يصر الفنان جميل محمود الى نسبة اللحن الى الشريف الهاشم, في حين يؤكد سلطان طارق عبد الحكيم نجل الموسيقي السعودي الراحل طارق عبد الحكيم الى أن اللحن لوالده, كما واستبعد بعض الباحثين والمهتمين بالشأن الادبي والفني أن تكون كلمات هذه الاغنية لأحد أهم شعراء الجاهلية صاحب معلقة
قفا نبكِ من ذِكرَى حبيبٍ ومنزلِ بسقطِ اللّوى بينَ الدخولِ فحوملِ
كما غنت الفنانة نجاة الصغيرة عام 1962 قصيدة لشاعر غير معروف ولم يعرف له غير هذه القصيدة هو الشاعر خازن غبور, وقد حققت الاغنية رواجا كبيرا ومطلعها
أنا ما زلت أهواه وفى قلبي ذكراه وتهفو دائما عيناي يا أمي لمرآه
من أقصاه عن دربي ومن يا ربى أغواه ليهجرني وينساني كأنى لست أهواه
ليهجرني وإني ما عرفت الحب لولاه أنساه وينساني الهوى إن كنت أنساه
كما أوصلت الفنانة الراحلة أسمهان شاعرا غير معروف اسمه حلمي الحكيم الى الشهرة بعد ان غنت قصيدة له بعنوان “يا بدع الورد”عام 1944ولم تعرف له أغان بعدها ومنها نقتطف هذا المقطع
نـدّي وردك يا خولي/اوعى يجرحك شوكه واسهر عليه/دارى حبك يا هائم
احسن يؤلمك شوقه واعطف عليه/هادي حبك يا عاشق/وردك ينعشك طوقه وقبّل ايديه/رسول العشاق سمير المشتاق/الورد الورد .. يا جماله
هذه الحالات السالفة الذكر تؤكد ما يتعرض له الكثير من الشعراء من ظلم وانكار لحقوقهم الفكرية التي لم تحفظ حتى الان, فقد استباح الكثير من المغنين جهودهم وعبقرتيهم ليقطفوا ثمارها نجومية وثروة, دون أن يسألهم أحد من أين لكم هذا؟.
آصف ابراهيم