ثقافةصحيفة البعث

متقلب مائل للانتظار

 

 

هكذا بلا أي مقدمات، أصبحت الأجواء حارة كالزيت في الصاج، وذكرت دائرة الأرصاد الجويّة في بيان مقتضب، كالبِشارة الناقصة، أنّ كتلة جافّة عبرتْ الأجواء، فبلّل يا حبيبي وجهي، واصغ لتتمّة النشرة، حيثُ أكدت الدائرة في توصيَتها الأخيرة أنّه يمكن لنا تحميصُ بزور عباد الشمس على الإسفلت في ساعات الظهيرة، وصنع الشاي بالنعناع من ماء “البلديّة” فيكون لاذعاً من دون واسطة النار، لكنّها لم تقل شيئاً عن إمكانيّة أنْ أقتربَ منك أكثر، وأكثر بما يكفي لعناق، لنُكمِل حباً كنّا قد بدأناه كإشاعة يمكن تصديقها في مطلع نيسان الدافئ.
مواسم الخصب تنظر إلينا مختالة، والعشب بيننا طال حتى رعت منه كل غزلان المنطقةَ، والكآبة في الظهيرة واحدة من علامات شمس تعمل بكامل طاقتها. الوقتُ آخر العصر، والضجر بكامل ترفه، والظلال تصعد معنا السلمَ الخشبيَّ إلى سطح الدار، فربما أحتالُ على الوقت، وأستدرجُ العتمة إلى حديقة الجيران، ومن أوراق التين، سأصنَعُ لك مروحة، وأجفِّفُ العرق عن جبهتك، وكالغناء الشعبيِّ، أدعوكِ للنوم الخفيف على ذراعي.
جسدي من عشبٍ وماء، وجسدك من لحم وحديد، الأجواء مهيأة تماماً، لكنّ النشرة الجويّة لم تقل شيئاً عن إمكانيّة أنْ نقتربَ أكثر، أكثرَ بما يكفي لترطيب الهواء الجاف في قلبي.
أعرفُ أنَّ الجوَّ ليس شاعرياً أبداً، وأنّه متوتر كالباب الرجّاج لغرف الولادات القيصرية، ولا يصلح نهائياً لأيِّ محاولة لإشعال حطب الزيتون تحت “الشوق”، ولا أجواء مهيأة لاعترافٍ علنيِّ أو ضمنيِّ بـ”العشق”، حراماً كان أم حلالاً، فالآن في هذا الموسم البدوي يقتصرُ استخدامُ حرف “الشين” في جملة معممة على الكل: “الدنيا شوب”، لكنّني ما أنا فاعلة أخالف كل أنماط الحبِّ في الكانونَيْنِ، وشباط لا على كلامه رباط، وأنتظر أنْ تفيدني النشرة الجويّة بنصيحة أخرى، أنْ تفاجأني بطريقة مُبَسّطة لتحضير وجبة من العشق بنكهة الرمّان مثلا، لكنّها لم تقل شيئاً عن إمكانية أنْ نقتربَ أكثرْ، أكثر بما يكفي لإطعام مسكين.
نمشي على الإسفلت الذي يؤدي إلى الشارع العام، فلا نتذمر من حرارة الأرض، ومن الإفراط بتداول مفردة “الشوب” في أيِّ سلام أو خصام، فنتخذ كلّ الاحتياطات الواجبة لتفادي ضربة مُرَكّزة من الشّمس، أنتظر أنْ تسألني إنْ كان يمكن تأجيلُ الحبّ حتى يمرّ الجو العصبيّ، ويعود المنخفض الجوي إلى قاعدته خفيفاً من الحِمم، حتى تختم المذيعة نشرة الأنباء الجويّة، بترجيح انحسار المنخفض الروسيِّ مساء اليوم، على أنْ يبقى منسوب الموت بانقطاع الحبِّ من أحد طرفيه ضمن معدّله السنويِّ قبل “حروب البسوس”.
انتهت النشرة، وأوردت في ختامها نصائح مجرّبة لفوائد التفاح الأخضر السحرية، لكنّها لم تقل شيئاً عن إمكانية أنْ نقترب أكثرْ، أكثر من هذا البُعد، فكفك لم تعد من “نيسان” وكفِّي عالقة هناك، وكان قد فاتنا كانونَان متباعِدَان، ومرّ ثلاثون شباطاً بلا رباط. الأجواء صيفيّة عاديةٌ، وسحابة عالية على شكل درج عتيق في وسط البلد، واضحة رغم أنّ المدى بعيد، جرب أن نصعد إلى هناك.
يالله.. فقط لو أنّ النشرة الجوية، تقولُ شيئاً عن رغبة عاشقين بالسلام ..السلام فقط.
لينا أحمد نبيعة