اقتصادصحيفة البعث

مع ضيق خياراتنا.. هل ستكون منتجات “التنمية الريفية” ملاذاً اسعافياً لأمننا الغذائي؟

دمشق – قسيم حدل 

نكاد نجزم أن الريف السوري وبما يمثله من إنتاج ومنتجات غذائية مُصنَّعة وغيرة مصنعة، سيكون الملاذ (حين تَعزُّ الملاذات الغذائية) لمحاولات تحقيق أمننا الغذائي نسبيا، بعدما تعرض هذا الأمان لنكسات مقلقة، بعد مرور أحد عشر عاما على الأزمة التي نعاني منها في مختلف المجالات!

أمنٌ غذائي تتبدى تداعياته في استثمار كل عمل ريفي من شأنه أن يكون مصدرا منتجا لغذائنا، ولعل إحداث مديرية متخصصة لـ”ألمرأة الريفية”، في وزارة الزراعة يعد مؤشرا على ما نذهب إليه، خاصة وأن العمل جار على وضع البرامج اللازمة لتعزيز دور المرأة الريفية وتمكينها من المساهمة الفعالة في التنمية الزراعية، من خلال توفير الظروف المناسبة لعملها، وزيادة دورها في الإنتاج، وبالتالي تحسين دخل العائلة، وكذلك المساهمة في تشجيع وتطوير عمليات تصنيع المنتجات الزراعية الريفية.

في دائرة الاهتمام..ولكن..!

ونظرا لأهمية هذا النشاط الاقتصادي، فقد اُعتمدت نتائجه عبر استراتيجية العمل لتطوير القطاع الزراعي 2012 – 2030، حيث تم في عام 2023 إعداد مشروع استثماري لتنفيذ القرى التنموية في سورية وتم رفعه إلى هيئة التخطيط والتعاون الدولي، للموافقة عليه في الخطة الاستثمارية لعام 2024، إلاَّ أنه لم يُدرج ضمن الخطة لوجود بعض الاستفسارات عليه من الهيئة! علما أنه في العام المذكور تم إعداد دراسة لإقامة 22 قرية تنموية في المحافظات، بعد أن تم في العام 2022 إطلاق قرية ” قطرة الريحان” في محافظة حماة – منطقة الغاب كقرية تنموية زراعية متكاملة لتكون نموذجا  تنموي يتم تعميمه!.

رغم ذلك مُنح الإنتاج الريفي زخما وفعالية قصوى، حيث تم تعديل مهامها وأهداف “مديرية المرأة الريفية” لتصبح “مديرية التنمية الريفية الزراعية الأسرية”، حيث عملت المديرية الجديدة على تنفيذ دورات تدريبية، لتأهيل النساء الريفيات على التصنيع الغذائي والزراعي للمنتجات الزراعية، وإنعاش تراث الصناعات الريفية التقليدية، إضافة إلى توفير التمويل اللازم عبر قروض زراعية لتمكين النساء الريفيات من تأسيس المشاريع الخاصة بهنَّ.

ولكون التسويق هو مفتاح النجاح لكل عمل ولاسيما في هذا النوع من المشاريع والمنتجات، فقد تمت مساعدة النساء الريفيات على تسويق منتجاتهم من خلال المعارض المتخصصة التي تقيمها وزارة الزراعة.

في مرحلة “الماركة”

وبنتيجة التقييم لهذا النشاط الاقتصادي وأهميته في هذه المرحلة، تم تطوير خطة العمل بناء على متطلبات التصنيع الريفي، حيث تم تأسيس 33 وحدة له في عام 2017، وفرت لها وزارة الزراعة الآلات والمعدات للازمة للتشغيل الملائم للمنتجات الزراعية التي سيتم تصنيعها، بالإضافة لتوفير كافة الخدمات من مياه وكهرباء وإشراف بشكل مجاني من قبل دوائر التنمية الريفية في المحافظات، وزيادة في التحفيز وجذب النساء الريفيات للعمل في هذا المجال سُمح لهنَّ بتسويق منتجاتهن بالأسعار التي يضعن هنَّ في الأسواق المحلية، وفي أسواق وصالات المنتجات الريفية.

الأمر لم يقتصر على هذا، حيث عملت الوزارة – بهدف حماية المنتج – على اعتماد لصاقة توضع على كافة منتجات وحدات التصنيع ( ماركة ريفية – منتج ريفي)، وعززت ذلك بالأخذ الدوري لعينات من المواد المُنتجة وتحليلها لمراقبة الإنتاج، ضمانا للمُنتج ولوثوقيته السوقية.

ولتحقيق الاستقرار والاستدامة في الإنتاج والتسويق، تم في عام 2019، إحداث 14 صالة بيع جديدة للمنتجات الريفية، في 7 محافظات، يقوم على إدارتها وتشغيلها وصيانتها موظفون من مديريات التنمية الريفية الزراعية الأسرية، حيث تم ولأجل التسويق الأمثل للمنتجات الريفية، تشكيل لجنة خاصة في الصالة مهمتها استلام المنتجات الريفية المصنعة ( بالأمانة) من النساء الريفيات المنتجات، والتأكد من جودة هذه المنتجات، وأيضا توثيق عمليات الاستلام والبيع والمرتجع والقيمة في سجلات محاسبية خاصة، وكذلك تسديد ثمن المبيعات للنساء الريفيات شهريا أو أسبوعيا حسب الاتفاق.

إشراف ورقابة

وفي بعض الحالات (مثل سوق الحديقة البيئية في حمص يتواجد 14 منفذ بيع ضمنه) تقوم النساء المنتجات بعرض منتجاتهن مباشرة وبيعها، وتكون مهمة المشرف على السوق، مساعدتهن على تنظيم التسويق ودور عمليات البيع وفق جدول موزع على أيام الأسبوع، وحل الصعوبات التي تواجههن في عملية التسعير التي تتم دون تدخل الوزارة وبهامش ربح تحدده المُنتجات أنفسهن، وفيما يتعلق بالمرتجع من المنتجات غير المطابقة للموصفات، يتم  إعادتها للمُنتجة مع بيان الأسباب لأخذها بعين الاعتبار في المرات القادمة، كما ويتم إجراء جرد شهري للمنتجات ليتم مطابقة عمليات البيع والمتبقي من المنتجات مع السجلات، ليصار إلى إعادة المنتجات غير المباعة خلال فترة محددة للمُنتجة، لتقوم ببيعها بطريقتها الخاصة، أو إعادة تسعير المادة من جديد. هذه الآلية يُرفع بها تقارير شهرية لدائرة التنمية في المحافظة ومن ثم إلى الإدارة المركزية للتتبع والتقييم.

الجدير ذكره أنه وفي بعض الأسواق تم إنشاء صناديق لتغطية مصاريف الصيانة والنظافة من قبل جميع المشاركات في حال رغبن بمثل هكذا صندوق.

للخروج من التقليدي

نظرا للواقع الراهن لإدارة منافذ بيع المنتجات الريفية، والصعوبات التي تواجهها، والأسلوب التقليدي التي تُدار به، واستجابة للطلب المتزايد على خدماتها من قبل المنتجات الريفيات والنجاح الذي حققته خلال الفترة لماضية، فقد سعت وزارة الزراعية إلى تطوير عمل الصالات ومنافذ البيع من خلال إعداد “دليل إدارة التسويق وصالات ومنافذ بيع المنتج الريفي”، ليتم اعتماده قريباً وإصداره بقرار، والعمل بموجبه في جميع صالات البيع التي يتم إحداثها عن طريق الوزارة، كأحد الأدوات المنضوية ضمن إطار (نموذج التنمية الريفية المحلية المتكاملة القائمة على المشاركة والمبادرات المحلية) الذي سيتم اطلاقه في ورشة عمل تضم كافة الجهات المعنية ذات الصلة وإقراره وبدء العمل بموجبه لإحداث التنمية الريفية التي تشكل أحد أهداف قطاعنا الزراعي.

Qassim1965@gmail.com