“تناقض وتباعد”
لطالما سمعنا سراً وعلناً عن الانتهاء من إنجاز الدراسات الفنية والتمويلية المطلوبة وإدراج عشرات المشاريع الخدمية والاقتصادية والتنموية ضمن قائمة اهتمامات وأولويات الفريق الحكومي والجهات التنفيذية في حلب، نذكر منها على سبيل المثال مشروع (المخطط التنظيمي الجديد) وتفصيلاته التي أقرتها اللجان الفنية المتخصصة في الربع الأول من العام الحالي تمهيداً للإقلاع بالخطوات الأولى والمتوقع حسب تقديرات القائمين على هذا المشروع الحضاري أن تحدث تغييراً جذرياً في المشهد العام للمدينة وعلى نحو يضعها ضمن قائمة المدن الحديثة والمتطورة وفي مختلف الجوانب والمستويات، خاصة بما يتعلق بتحديث شبكة الطرقات وملف التطوير العقاري وربط قديم المدينة بحديثها وتشكيل قاعدة قوية للجذب الاستثماري تكون رافعة وداعمة لعملية النهوض الاقتصادي بشقيه الصناعي والتجاري
ولعل هذا الزخم في طريقة العرض والاستعراض والذي تزامن مع تسويق وتوظيف إعلامي متسلسل للمراحل التي مر بها المشروع، لا يتناظر مع الرؤية المستقبلية، ولا يتطابق مع المتغيرات والتبدلات التي تشهدها المدينة وإن كانت متباطئة وخجولة، وهذا يعني أن المشروع سيصطدم حكماً بحواجز كثيرة قد تؤجل إنجازه ضمن المواصفات الموضوعة والمدد الزمنية المحددة، سيما وأن الحديث يكبر حول وجود تناقض وتباعد في مجمل القراءات التفصيلية للمشروع، ستضاعف لاحقاً حسب رأي المختصين والمهتمين من حجم المشكلات والعقد التي ستعيق آليات العمل التنفيذي، وتحديداً بما يتعلق بالوسط التجاري للمدينة وملف المدينة القديمة وتشعباته القانونية والذي ما زال حتى اللحظة مثار نقاش وجدل كبيرين بين كافة الفرقاء والشركاء والذين لم ينجحوا حتى الآن بالوصول إلى رؤية منطقية وتوافقية تشكل أساساً ومنطلقاً لحل هذه المعضلة والتي تزداد تعقيداً مع تخلي أو تراخي الجهات المعنية بالقيام بمهامها المنوطة بها، لتزداد المشكلة تفاقماً مع اتساع دائرة التعديات ومحاولات تغيير المواصفات والهوية التاريخية للمكان، والناجمة عن فوضوية أعمال الترميم والتأهيل التي أسندت للمتضررين من أصحاب المحال التجارية بدلاً من إسنادها للجهات التنفيذية والإشرافية التخصصية.
أمام تعقيدات هذا المشهد تستدعي الضرورة مراجعة كل الحسابات وفق رؤية واضحة تعزز من بنية المدينة التحتية والفوقية، وتوثق الرابط بين قديمها وحديثها، وبما يتوائم مع الحاجة الملحة للتغيير والتحديث وفق قواعد وشروط لا تقبل اللبس، وهو ما يفترض أن تحدده الدراسات التفصيلية للمخطط التنظيمي الجديد وبما يدعم من رواكز هذه المحافظة ويحافظ على هويتها ومقوماتها، ويؤسس في المحصلة لمشروع متوازن ومتكامل يحقق التنمية المتوازنة والمستدامة.
معن الغادري