اقتصادصحيفة البعث

بعد أن أتخمته السيولة…القطاع المصرفي على عتبة مرحلة جديدة خالية من التشنجات مدير عام التجاري: دراسة إصدار منتجات مصرفية جديدة تنسجم مع الاحتياجات على المستويين الإنتاجي والاستهلاكي

 

يقف القطاع المصرفي حالياً على عتبة انطلاقة جديدة لمرحلة جديدة ستكون “المرونة” قوامها الأساسي، لا سيما لجهة إعادة النظر ببعض القرارات التي أعاقت خلال الفترة الماضية مسألة انسياب التمويل في مسارات التنمية على الأصعد كافة، وتفترض هذه المرونة بالضرورة اضطلاع المصارف العامة والخاصة بمسؤولية العمل باتجاه تحقيق التنمية المتوازنة، تفادياً من الوقوع بانزلاقات التركيز على مناطق بعينها، أو على كبار المستثمرين المتواجدين في المدن الصناعية –على سبيل المثال لا الحصر- على حساب مناطق أخرى تبقى خارج الخارطة التنموية من جهة، والنأي عن تمويل الأفراد الراغبين لإقامة مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة خاصة في الأرياف والمناطق النائية خاصة الزراعية منها من جهة ثانية.

جانب اجتماعي
وإذا ما كان توجه القطاع المصرفي حالياً نحو إقرار منتجات مصرفية جديدة تواءم ومتطلبات التنمية –وفق تأكيدات بعض المصادر- فيفترض أن تصب هذه المنتجات في بوتقة هذه التنمية، مع الأخذ بعين الاعتبار للجانب الاجتماعي القائم أولاً على تأمين فرص تشغيلية في المناطق النائية، وثانياً تكريس صاحب هذا العمل الفردي –القابل بالطبع للتطور لجهة استقطاب مزيد من العمالة- في منطقته، وبالتالي انتفاء أية نية لديه باتجاه الهجرة بقصد العمل في المدن الرئيسية، أما ثالثاً فتتمثل بالحد من السلوكيات الاجتماعية غير الأخلاقية الناجمة –غالباً- عن الفراغ. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن مسألة ضمان تجليات هذه التنمية ذو البعد الاجتماعي، تتطلب من المصارف التركيز على دراسة الجدوى الاقتصادية لأي مشروع فردي، خاصة لناحية مواءمته للمقومات الاستثمارية المتوفرة في المنطقة المزمع إقامته فيها. منوهين هنا إلى حيثية مهمة فحواها باختصار أننا لن نفلح بتحقيق تنمية اقتصادية ليس لها بعداً اجتماعياً.

تذليل
ربما يمكن اعتبار اللقاء التشاوري الأول لحاكم مصرف سورية المركزي الدكتور حازم قرفول مع المدراء العامين والرؤساء التنفيذيين في المصارف العامة والخاصة العاملة في سورية أمس الأول، بداية فعلية لهذه المرحلة، ويتعزز اعتبارنا هذا إذا ما علمنا أنه تم التأكيد خلال الاجتماع على تقديم الدعم الكامل للمصارف لتذليل كافة الصعوبات والمعوقات التي تحد من ممارسة دورها الطبيعي في منح الائتمان ومساهمتها المباشرة في عملية التنمية من خلال زيادة قدرتها على الإقراض وتوفير التمويل اللازم للأنشطة الاقتصادية، خاصة وأن المصرف المركزي قطع مرحلة هامة لتحقيق هذا الهدف من خلال تحرير أسعار الفائدة على الودائع بما يسهم في تخفيض تكلفة الأموال المودعة لدى المصارف وبالتالي تخفيض تكلفة التمويل.

ارتياح
مدير عام المصرف التجاري السوري الدكتور علي يوسف أبدى ارتياحه لهذا اللقاء واصفاً إياه بـ”أكثر من جيد” إذ تم عرض رؤية المركزي للقطاع المصرفي في سورية ودوره في المرحلة القادمة، بالتوازي مع إزالة التشنجات والعوائق والحواجز الموجودة في هذا القطاع ومن ضمنها القرار 52 المتعلق برصيد المكوث، واتباع المعايير العالمية في مجال القطاع المصرفي كنهج أساسي، إلى جانب إعطاء مزيد من المرونة للمصارف باتخاذ القرارات بما يخدم المصلحة الوطنية، والتعاون لجهة تنمية وتطوير القطاع. مشيراً إلى أن مدراء المصارف طرحوا الإشكاليات القائمة وهواجسهم للمرحلة القادمة، من ضمنها إشكالية رصيد المكوث –كما أسلفنا- وبعض القرارات التي تعيق مسألة التسليف وتوظيف الأموال في الاقتصاد الوطني، مؤكداً تجاوب الحاكم مع هذه الطروحات وأن المرحلة القادمة ستشهد رؤية مصرفية مختلفة ومنسجمة مع التطورات المعاصرة عالمياً.
وأضاف علي إن المصارف أصبحت مشبعة بحجم السيولة الموجودة لديها، وأن هذا الموضوع يدفع باتجاه تحريك الاقتصاد المادي للعملية الإنتاجية من خلال ضخ جزء من هذه السيولة في الاقتصاد الوطني، لافتاً إلى أن المصرف التجاري يدرس إصدار منتجات مصرفية جديدة تنسجم مع كل الاحتياجات الموجودة سواء على المستوى الإنتاجي أم الاستهلاكي، ولكن ضمن ضوابط واضحة ودقيقة، لذلك سيتم إعادة النظر بالضوابط الموجودة التسليفية وأدلة العمل حول ذلك بما يضمن العمل بكل شفافية.

آليات غير تقليدية
ويقودنا الحديث حول إشباع المصارف بالسيولة والتوجه نحو طرح منتجات مصرفية جديدة ومواءمتها مع احتياجات المرحلة، إلى إمكانية التفكير بآليات غير تقليدية للتمويل العقاري، إذ بإمكان المصرف العقاري مثلاً، أو حتى بعض المصارف الأخرى لاسيما الخاصة منها منفردة أو مجتمعة، توجيه فائض السيولة لديها باتجاه الاستثمار في السوق العقاري، من خلال شراء الأراضي وبناء المحاضر السكنية لتأمين السكن الاجتماعي، أي أن تضطلع بدور التاجر أو بدور الجمعيات السكنية.

نهج جديد
وعلى اعتبار أن الحاكم أكد خلال عرض الرؤية الاستراتيجية لمصرف سورية المركزي للمرحلة المقبلة وفق النهج الجديد للسياسة النقدية، وعلى دور المصارف في هذه المرحلة لكونها الذراع التنفيذي للسياسة النقدية للوصول إلى تحقيق الأهداف النهائية، فإن ذلك يستوجب تغيير النظرة السائدة عن المصارف الخاصة العاملة في سورية، إذ لا يزال يعتبرها بعض المراقبين بأنها عبارة عن مكاتب تمثيل للمصارف الأم أو ما تسمى بـ(الشريك الاستراتيجي) الموجودة في الدول العربية، تقوم بدور تسهيل عمليات التمويل والإقراض للتجار الذين كانوا يحصلون عليها من المصارف الأم في الخارج، دون أن تقوم بدور مصرفي مستقل له كيانه ونظام عمل استراتيجي في سورية ليدفع بالفعل عجلة الاقتصاد الوطني باحثة عن الربح السريع عبر تمويل قنوات استهلاكية بحتة، فبغض النظر عن صحة هذه النظرة من عدمها، فإن على هذه المصارف بالنهاية العمل على أساس أنها مكون وطني وشريك استراتيجي في العملية التنموية.
يذكر أن اللقاء التشاوري الأول للحاكم مع مدراء المصارف العامة ولخاصة تناول متانة القطاع المصرفي، واستقرار القطاع المالي، والإضاءة على المقاربة الجديدة للسياسة النقدية في إطار المعايير والممارسات الدولية، التي تؤسس لعلاقة مبنية على الثقة والتشاور إلى جانب الوضوح والشفافية، كما وتضمن تعزيز الاستقرار المالي والنقدي، من خلال إعادة النظر في إدارة وتنفيذ السياسة النقدية وفق النهج الجديد بما ينسجم مع السياسات المتبعة في هذا المجال دولياً.
وأكد الحاكم في هذا اللقاء على ضرورة اعتماد دور رقابي سليم على عمل المصارف بما يتوافق مع المعايير الرقابية الدولية، حيث سيتم التوجه إلى تحديد إطار عام وواضح للرقابة المصرفية، وإعادة النظر بالقرارات والتعليمات الصادرة عن السلطة النقدية بما ينسجم مع متطلبات الرقابة المصرفية وتطلعات المصارف لممارسة دورها المنشود، وذلك بالتشاور الجدي والمستمر معها المبني على الثقة المتبادلة، الأمر الذي يساعد على زيادة الطمأنينة لدى الجمهور بالقطاع المصرفي خاصة بعد سنوات الحرب على سورية.
وبدورها رحبت المصارف بالرؤية والطروحات التي عرضها الحاكم، وأبدت ارتياحها للنهج الجديد للسياسة النقدية الذي يضمن بناء علاقة أساسها الثقة المتبادلة ويعطيها زخما للانطلاق بدورها لحشد المدخرات الوطنية بما يساهم بدعم الاقتصاد الوطني والتحضير الحقيقي لمرحلة إعادة الإعمار، مؤكدة استعدادها الدائم والكامل للتعاون مع السلطة النقدية في كافة المجالات التي من شأنها أن تحقق أهداف السياسة النقدية وتطلعات القطاع المالي.

حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com