ثقافةصحيفة البعث

بعد ثماني سنوات على إنتاجه.. الخربة يحقق أعلى المشاهدات

 

شهدت الدراما السورية أعمالاً جليلة احتلت مكاناً هاماً من ذاكرة المشاهدين، لا يمكن للزمن نسيانها لكونها لامست هموم وشجون المواطن، ورسمت على وجهه ابتسامة غامرة مع نهاية يومه، حتى بات الواحد منا يتمنى أن يقيم في تلك الحارة أو الحي، ومن جملة هذه الأعمال التي ما زالت تكتسب العدد الكبير من المشاهدة ، ولو تم إعادة عرضها حالياً لاحتلت أكبر عدد من المشاهدة على حساب أعمالنا الدرامية الحالية، نأتي على ذكر أعمال فناننا الكبير دريد لحام (صح النوم، حمام الهنا، مقالب غوار)، ومع الفورة التي عصفت بالدراما السورية في التسعينيات ظهرت بعض الأعمال التي أخذت شهرة كبيرة لدى المتابع، وباتت تصنف من الأعمال الخالدة أسوة بأعمال دريد لحام، نذكر منها أيضاً مسلسلات: يوميات مدير عام في جزئه الأول، الدغري، ضيعة ضايعة بأجزائه، دنيا في جزئه الأول أيضاً، وانتهاء بالمسلسل الكوميدي الاجتماعي الخربة الذي يعد من أنجح الأعمال الكوميدية الاجتماعية في السنوات العشر الماضية، فما أن يتم عرضه حتى يحظى بجمهور كبير من المتابعين، وراحت اللهجة المعتمدة فيه تتردد على ألسنة مشاهديه عبر حوارات شخوصه التي أجادت في إيصال لهجة أهلنا في جبل العرب، مع إضافة مزايا جميلة أضفت عليها الكثير من المتعة، فجاء العمل متكاملاً عبر نص مدروس بعناية في كل حلقة فكرة جديدة، وقدم الكاتب ممدوح حمادة الكثير من العبر لامست همومنا، وتألق المخرج الليث حجو في انتقاء شخوص عمله بحرفية عالية، وتمكن من توظيف مقدراتهم بطريقة رائعة.
تدور أحداث العمل حول عائلتين تتناحران على نحو دائم، فالندية والغيرية التي شابت العلاقة بين العائلتين “بو قعقور وبو مالحة”، تجلت في أهم شخصيتين، أبو نمر (دريد لحام) وأبو نايف( رشيد عساف) اللذان نجحا عبر كيدية كل واحد منهما إلى تفريق العائلتين في كثير من الأمور.
أما الشخصية الأكثر فاعلية، والتي تركت الكثير من إشارات الإعجاب فهي شخصية توفيق بو قعقور(باسم ياخور)، الذي أضفى بموهبته الفريدة والمتميزة على تفاصيل شخصيته المكتوبة الكثير، رغم أنه زوج منكسر أمام عنجهية زوجته نفّجة (ضحى الدبس) التي قدمت أجمل ما لديها من إمكانات وطاقات، إضافة إلى شخصيات كثيرة تألقت أيضا أمثال محمد حداقي (فياض) راعي الأبقار، وأحمد الأحمد (سمعان) الإنسان البخيل، ومحمد خير الجراح (جوهر) المتطلع للوصول إلى منصب.
ابتعاد المسلسل في كل حلقاته عن الثرثرة، أبعده عن الإبهار أو الاستعراض المجاني، إذ جاءت حركة الكاميرا مدروسة متقنة تعي وظيفتها، وقدراتها التعبيرية في رسم إنسانية الحالة دون التوقف عند تفصيلاتها، مع وجود إدارة إخراجية محترفة لأداء الممثلين الذي اقترب من الحس أكثر مما نحا إلى الحسي.
مسلسل الخربة بدا عملاً متكاملاً، قدم رسالة واضحة وشفافة، فأراد الكاتب ممدوح حمادة أن يقول لنا في نهاية المسلسل أن الإصلاح ليس بقرار عشوائي يؤخذ في لحظة وتحت الضغط الشعبي، وإنما هو عملية مضنية جداً تحتاج إلى الكثير من الجهود، الصادقة والعميقة والوطنية.
الخربة مسلسل كوميدي عناصره متجانسة قادها بحرفية عالية الليث حجو في مسلسل لا يزال يحصد نسب مشاهدة عالية، في إعادات العرض.
وإذا كنا فرحنا بنجاح هذا العمل في جميع تفاصيله، فإننا نفرح أيضاَ بنمو أذواق المشاهدين الذين أصبحوا يميزون بين الغث والسمين، وبين الخيار والفقوس، مما سيدفع أصحاب الأعمال الفنية إلى إتقان أعمالهم أكثر، وما نتمناه أن تكون الأعمال في الشهر الرمضاني المقبل على سوية هذا المسلسل ما يجعلنا نطمئن بأن الدراما السورية ما زالت بخير.
مهند الحسني