أخبارصحيفة البعث

طبخة التنف .. وأصابع الطباخين

 

د. صابر فلحوط
المتابعون لعواصف المنطقة، وطقوسها، من حقهم أن يقلقوا كثيراً، عندما يشاهدون على الفضائيات جنود – الشيطان الأكبر- يستحمون بغبار البادية السورية على “المثلث المتقارب جغرافياً” السوري، العراقي، الأردني، ويستمعون إلى تصريحات قادة البيت الأبيض، تنوس بين طول إقامة هؤلاء الجنود وقصرها، تحت مزاعم القضاء على الإرهاب الداعشي الوهابي الذي خلقوه وربوه، وسلّحوه ليمارس لعبة الموت والدمار في سورية العربية لخدمة الكيان الصهيوني والرأسمالية العالمية والرجعية العربية النفطية.. إن هذا القلق المشروع الذي يجتاح الشارع الوطني جراء الوجود الأمريكي عسكرياً على الجناح الشرقي في أرض الوطن لا بد أن يبدده أمران: الأول هو الإرادة الفولاذية الصلبة لشعبنا العربي السوري مسنوداً، بالدعم، ولو معنوياً، من الشارع القومي لأمتنا، والثاني هو القراءة الواعية والمعمّقة لتاريخ الصراع في المنطقة، وخاصة انتصارات الحرب الوطنية العظمى التي نعيشها.
فالاشتباك مع العدو الصهيوني ومفرداته ووكلائه لم يتوقف لحظة واحدة على الأرض أو في الأجواء، سواء بالسياسة أو السلاح، فمنذ أن أعلن ذلك الصهيوني العتيق تيودور هرتزل عام 1897 في مؤتمر بال في سويسرا الإصرار على قيام “الكيان الصهيوني” في فلسطين في العام 1948، والصدام لم يتوقف إلّا لالتقاط الأنفاس أو الاستعداد لجولة أخرى، وجميع المعارك التي خاضها شعبنا من سايكس بيكو ووعد بلفور 1916- 1917، والثورة السورية الكبرى عام 1925، وصولاً إلى معارك 1936، وحربي 1948و1967، لم تكن إلا مقدمات لأنبل الحروب وأشرفها وأشرسها، وهي حرب تشرين التحريرية 1973 التي كان أبطالنا فيها كأنما يعدون أنفسهم لمواجهة الحرب الوطنية العظمى 2011 – 2018 والتي تميّزت عن جميع الحروب والوقائع التي شهدها تاريخ العالم قديمه وحديثه، حيث كانت حرباً مركبة تداخل فيها الإعلام مع السياسة والاقتصاد ومحاولات التدمير الكامل، كما كانت تستهدف القضاء المبرم على الدولة ومكوناتها.
وقد كانت هذه الحرب لأول مرة، لا يقاتل فيها المعتدون بجنودهم وسلاحهم، ودم أبنائهم، بل كانوا يقاتلون بأبناء أتباعهم وأموال وكلائهم، كما كانت هذه الحرب متميزة عن سواها باستخدام المرتزقة والإرهابيين الذين يحاولون تعبيد طريقهم إلى السماء، حيث الحور العين بسفح المزيد من دماء السوريين، وقد كانت هذه الحرب ميداناً لاختبار الأجيال الجديدة من الأسلحة الحديثة التي استخدمها الإرهاب التكفيري الوهابي النفطي لأول مرة في الميدان، وفي مقدمها السلاح الكيماوي، والطائرات المسيّرة الكترونياً.
يقيني أن جماهير شعبنا وأحرار العالم وشرفاءه، يعلمون جيداً أن صمود سورية، وقرارها في اعتبار القضية الفلسطينية جوهر الصراع في المنطقة، وأن تمسك سورية بهذه القضية، تمسك مصيري، ووجودي، وأنه لا مقاربة، ولا حل لها – لا تصريحاً ولا تلميحاً – إلا بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وأن إصلاح الخلل التاريخي في هذه القضية، إنما يكون بعودة كل الفلسطينيين إلى بيوتهم التي مازالوا يحملون مفاتيحها في وطنهم من البحر إلى النهر، وعودة المحتلين الصهاينة إلى حيث كانوا خارج الديار العربية قبل عام 1948.
وأن التواجد الأمريكي على التخوم الشرقية للوطن، ومحاولاته اقتطاع عضو من الجسد السوري، وهم إخوتنا الكرد لاستخدامهم فزاعة حيناً، ووقوداً لمعركة خاسرة، قبل أن تبدأ في كل الأحيان والأحوال، إضافة إلى الإصرار على إطالة زمن المعركة التي تلوح بوادر حسمها النهائي في إدلب، كل ذلك لن يغيّر من الحقائق الراسخة في شيء، سواء في أرض الوطن، أو الضمير الجمعي للمواطنين السوريين، في هذا البلد المرهون دماً ونضالاً للكرامة الوطنية والعزة القومية، وعلينا أن نؤكد (مجدداً ودائماً) لإخوتنا، في الوطن “الأكراد” والذين أغراهم سيد البيت الأبيض الأمريكي، كما سبق أن أغرى، وورّط أشقاءهم في شمال العراق، ثم سخر منهم، وتركهم يلعقون انكسارهم وخيباتهم عندما رأى أن مصلحته في التخلي عنهم، شأنه طوال تاريخه في تعامله مع من يستعملهم لقضاء حاجاته، ويتخلص منهم “كحمولة زائدة” في أول منعطف أو مفترق.
ومازال الأمل كبيراً أن ينتصر العقل على العاطفة، وأن تتعالى الموضوعية على الأحلام البراقة لدى العقلاء من أهلنا الكرد، وهم الكثرة الكاثرة التي اعتقد أنها تدرك يقيناً أن ليس لها أم رؤوم، أو أب عطوف، سوى الوطن العربي السوري الذي عاشوا فيه القرون الطوال، وكانت لهم فيه الأمجاد العريضة والبطولات التي تشكل فخراً للوطن، وأن اللقمة التي تقدمها أمريكا وإسرائيل عبر وعودها الخادعة، لابد أن تتحول إلى سموم قاتلة عاجلاً أم أجلاً، فسورية التي خاضت أضخم حرب وطنية عظمى خلال السنوات السبع ضد أكثر من مئة وثلاثين دولة بقيادة الشيطان الأكبر أمريكا والاستيطان العنصري الصهيوني والرجعية الحاقدة، تهيئ نفسها لرفع رايات النصر الناجز الذي تستحق ثمرة تضحيات هائلة لشهداء عظام وصمود شعب أسطوري مقدام، وبسالة جيش إعجازي الفداء، وقيادة أبدعت في ميادين الدبلوماسية والسياسة، كما في ساحات السلاح والمواجهة.