هذه الأسعار أيام زمان!.
أكرم شريم
لقد صار ملفتاً جداً موضوع الفروق في الأسعار وقيمة العملة بين ماكانت عليه أيام زمان وبين هذه الأيام، فقد سألت في دكان بائع للخضار: كم سعر (الخسة)؟!. فقال لي: مئتا ليرة، فوجدتني أقول لنفسي على الفور وبشكل تلقائي: الله يرحم أيام زمان، كنا نتزوج بالمئتي ليرة، واليوم صارت ثمن خسة!.
ولا أزال أذكر أن أول راتب تقاضيته وكان ذلك في الستينيات وكنت وقتها أعمل رئيس قسم الشؤون الأدبية والفنية في مجلة (الطليعة) في دمشق وكان أول راتب لرئيس القسم: مئتا ليرة لاغير! وكنت وقتها فرحاً بهذا الراتب، الذي يجعلني أعيش براحة واستقرار طوال الشهر ولا ينقصني شيء، وقد يسأل سائل وكيف تعيش براحة واستقرار بهذا الراتب فأقول: كنت أركب في الباص من البيت إلى العمل بقرش ونصف!، وكنت آكل سندويشة (مدلَّلة) بقرشين ونصف!.
وأهم ما أذكره في ذلك أنني حين نجحت في الصف السادس، وكانت أسماؤنا تنشر في الجريدة حين ننجح في الصف السادس في ذلك الزمان، لماذا؟.. لأن النجاح في الصف السادس يعني الحصول على شهادة دراسية، تأخذها وتعلقها في منزلك مثل شهادة البكالوريا والشهادة الجامعية هذه الأيام! وكان اسمها في ذلك الزمن (السرتفيكا). أقول إنني حين نجحت في الصف السادس وقرأت اسمي في الجريدة أسرعت إلى أبي وهو في عمله وقدمت له الجريدة وأشرت إلى اسمي فيها وأنا فرح وسعيد وعلى الفور وحين رأى اسمي بين الناجحين أخرج من جيبه مئة ليرة وأعطاني إياها، وأنا لم أكن أحلم، ولا أتصور أن تصبح عندي ورقة المئة ليرة ودفعة واحدة، وتركت أبي وقتها وأنا خائف على المئة ليرة وأسرعت إلى المنزل إلى أمي، وقلت لها أنني نجحت وأبي أعطاني هذه المئة ليرة كاملة وأعطيتها لأمي، وعشت بعدها أسابيع وربما أشهراً مثل الملك الصغير، فأنا معي مئة ليرة كاملة وأمي تدللني ولا ينقصني شيء!.
ونكتفي اليوم بهذه الأسعار ولا نريد أن نتابع ونذكر بقية الأسعار أيام زمان ومنها الأراضي والبيوت ولا أذكر أنني سمعت بإنسان معه ألف ليرة وقتها على الإطلاق!. وهكذا تكون النصيحة اليوم تمتّع بالأسعار الحالية وأُشكر الله، لأنك بعد زمن قد تصبح أجرة الباص عندك بمئة ألف والسندويشة بمليون!.