الخوذ البيضاء والمسرحية الكيميائية !!
د. صابر فلحوط
تميزت الحرب الكونية على سورية، خلال السنوات السبع الفائتة بفرادة غير مسبوقة في تاريخ الحروب على وجه هذا الكوكب. فلأول مرة تقترف مئة وثلاثون دولة مجتمعة غزواً إرهابياً ضد دولة متواضعة جغرافياً وديموغرافياً بالمقاييس العالمية.
كما تميز هذا الغزو باستعمال أسلحة غاية في التطور والإبداع في مجال السحق والتدمير وإحراق الأخضر واليابس دون استثناء، إضافة إلى أنواع من السلاح غير مستخدمة سابقاً كأنواع الصواريخ المجنّحة والطائرات المسيّرة الكترونياً، إضافة استخدام قتلة ومجرمين خريجي السجون في مختلف بلدان العالم من مرتزقة وإرهابيين وتكفيريين يعتبرون عملية قتل الأطفال وتدمير المشافي ودور العبادة والمدارس والجامعات تسهل لهم الطريق إلى – الجنة – حيث الحور العين، وأنهار العسل واللبن بانتظارهم !!
كما أن هذه الحرب على سورية تميّزت عن سواها في التاريخ، أنها لأول مرة لا يريق المعتدي قطرة دم من جنوده، ولا يصرف فلساً واحداً من خزائنه بل يستعمل المرتزقة من الجهلة والقتلة ويدفع لهم من خزائن النفط العربي في السعودية، وقطر والإمارات وغيرها من الدول التي رهنت قرارها ومسارها للعدو الصهيوني وحليفته سيدة الاستعمار الحديث أمريكا.
وقد استخدم في هذه الحرب الكونية أشرس الأسلحة وأخطرها على العقل والفكر والوجدان وهو الإعلام الذي تكفّل باغتيال القناعات وقتل الحقائق، والاستيلاء على الموضوعية والمنطق والبصائر.
ولعل أخطر هذه الأسلحة وأكثرها إجراماً وإزهاقاً للأرواح البريئة هو السلاح الكيميائي الذي استخدم في العديد من المواقع وكان حصاده الأطفال والنساء والشيوخ في الغوطة الشرقية وخان العسل وخان شيخون وغيرها، كما يهددون باستخدامه في إدلب دعماً للإرهابيين واستجلاباً للتدخل الخارجي الذي لا تنقصه الذرائع لمواصلة الحرب الكونية على سورية العربية.
ويتصدى لتنفيذ مسرحية الكيماوي في سورية تنظيم يسمى تنظيم الخوذ البيضاء المخترع في مدارس المخابرات البريطانية والممول من النفط العرب الذي شرع – براميله – ضد العروبة وقضيتها المركزية فلسطين. وراح يحشد الإرهاب التكفيري الوهابي الرجعي لتنفيذ مؤامرة القرن التي سميت – بالربيع العربي – !!
ولعل أول مسرحيات الخوذ البيضاء في خان العسل بريف حلب في 9 آذار 2013 حيث قامت بهجوم بالمواد السامة وكان أغلب الشهداء من الجيش العربي السوري. ومن أجل طمس الجريمة في خان العسل قام الإرهابيون في حزيران 2013 بالاستيلاء على المدينة وقتل كل الشهود، أطلقوا النار على الأطباء الذين ساعدوا المتضررين وكان الهدف من الهجوم تحميل المسؤولية للحكومة السورية. وقد قامت الحكومة السورية بخطوة غاية في الذكاء والشعور بالمسؤولية لقطع الطريق على الإرهابيين وداعميهم بإصدار مرسوم ينص على انضمام سورية إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية حيث صدر إثر ذلك قرار مجلس الأمن 2118 القاضي بتسليم وتدمير الترسانة الكيماوية في سورية. غير أن مجيء ترامب إلى البيت الأبيض أعاد فصول مسرحية الكيماوي إلى المسرح، ففي الرابع من نيسان 2017 وقع هجوم كيماوي على بلدة خان شيخون في محافظة إدلب حيث شرعت لجنة التحقيق الأممية بالتحقيق في اليوم الثاني وقد حمّلت سورية المسؤولية بضغط من أمريكا وحلفائها، ماحدا بالقوات الأمريكية الفرنسية البريطانية بتاريخ 18/4/2018 القيام باستهداف عدد من المواقع السورية مدعية أن ذلك عقاب على استخدام سورية للكيماوي !!! وكان وراء هذا العدوان منظمة الخوذ البيضاء التي أسست 2013 كمنظمة تطوّعية تعمل بتوجيه المخابرات البريطانية (كما يصدرها الإعلام الغربي) !. وقد جرى تمويلها من بريطانيا وأمريكا وهولندا وألمانيا والدنمارك وقد ظهرت على الفضائيات العالمية أفلام فيديو تشير إلى عناصر الخوذ البيضاء وهم يحملون السلاح ويشاركون الإرهابيين بقطع الرؤوس وتعليقها على الأعمدة، أو يلقونها في الأنهار، ومن سطوح المنازل!!.
ولعل المفارقة المضحكة المبكية أنه جرى ترشيح منظمة الخوذ البيضاء لنيل جائزة نوبل للسلام، ومنحت الأوسكار عن أحد أفلامها المفبركة!!. ولا عجب في هذا! أليس السفاح مناحيم بيغن، والصهيوني شمعون بيريز من حاملي جائزة نوبل (للسلام) وأي سلام؟!!.
إن التأكيدات الروسية التي لاشك بصدق صور أقمارها الصناعية، وحرصها على الحقيقة والموضوعية، تشير إلى أن الأسلحة الكيماوية تتكدس منذ أسابيع في إدلب استعداداً لمسرحية جديدة للكيماوي لتكون ذريعة ومبرراً للغرب الأمريكي والصهيونية والرجعية لضرب سورية من جديد وتنفيذ تهديدات مجنون البيت الأبيض كما يسميه الإعلام الأمريكي.
غير أن صمود جيشنا الأسطوري والبسالة والاقتدار ووعي شعبنا وتماسكه وحكمة قيادتنا، وتلاؤم محور المقاومة وتلاحمه في وجه العدو الصهيو أمريكي، والإرهاب التكفيري الوهابي الرجعي سيكون كفيلاً بانقلاب السحر على الساحر ودحر المؤامرة الكبرى على سورية العربية التي تستعد لرفع بيارق النصر الناجز فوق كل شبر من وطن العروبة والتضحيات.