ثقافةصحيفة البعث

سبعة نصوص عصية على التجنيس في قصص من كتاب الحرب

 

قبل أي قراءة في قصص الأديب نضال الصالح لا بد من الإشارة إلى أن المهم عنده أنه بدأ الكتابة مساويا ما بين السيرة التي تخصه أو سيرة حلب أو السيرتين معا، وفي ذلك توضيح لجغرافية السرد، وإضاءة على شخصيات محورية عدة أو رئيسة قد تكون شخصية الكاتب ذاته، وقبل ذلك من المفيد التنويه بهذه النصوص السبعة وهي عابرة للأجناس الأدبية في أحد التعريفات، والعصية على التعريف فيما أزعم وهذه مسألة أتمنى أن يعنى بها النقد الأدبي وفرسانه في هذه المرحلة، ولاسيما أن القصة القصيرة شهدت تطورا كبيرا وتعددا في الأصوات والأشكال على يد السوريين، مما يجعلني أزعم أيضا بأنها غدت فنا  سوريا بامتياز، وهنا ليتنا نملك إحصائية لما هي  عليه في باقي بلداننا العربية، من حيث الإصدارات ، وإضاءات نقدية أو تعريفية لتتسع دائرة معرفتنا بهذا الجنس الأدبي.

والأهم عندي أن الكاتب الصالح حدّق في الورقة البيضاء إلى أن نزفت جبهته كما يريد الكاتب البريطاني دوغلاس آدمز حتى شعر بأن ثمة ما ينزف من جسده، وبأن جمر الاشتياق إلى حلب يضطرب ص 8

وحلب، باب الأحمر، القلعة، الشيخ صبري مدلل، أرواح خمس في روح واحدة هي روح المؤلف التي تنزف الآن فوق هذا (البياض) ص 9

تلك الروح التي كانت مستعدة لافتداء ريمة التي اختطفها مسلحون من لواء (السلطان محمد الفاتح) لكنها رحلت ولم تعد تملأ كوكب الأرض بالحياة. وها هي  بعض قراءة في سبع قصص من كتاب الحرب للأديب نضال الصالح الصادرة هذا العام عن دار كنانة وقد تجاوزت المئة صفحة من القطع المتوسط، وفيها: يا غصين البان – رسائل عاجلة – دير العصافير –حبذا الرقة – وللخير أسباب  – فيا شجر الخابور – دنيا من النور.

وقبل تلمس الحرب ككتاب ما زال مفتوحا وجوانب من التنوير ومساراته في القصص، لا بد من الإشارة إلى أن الانحياز إلى المثل العليا والقيم والفضيلة والحق والجمال لا يكون عبر شعارات أو طرح مقولات لا يتحملها القص، وإلا غدت القصة حزمة من الآراء الفلسفية والمقولات الاجتماعية.

ولن يقبل القارئ أو المتلقي أن تكون القصة ميدانا للوعظ أو التنظير بحجة التنوير، بل يتطلب الفن في القصة حضورا لبراعة الأديب في تسريب الأفكار عبر رسم الشخصية واختيار جوانب مهمة من حياتها وتسليط الضوء عليها دون سواها، تطلعا مشروعا للمتعة والفائدة، فعندما يختار الأديب الصالح سبع شخصيات تعددت الأسماء والمسمى واحد أي شخص رئيس، إنما يختار الصفات التي يتمتع بها بطله الحقيقي أو المنشود، وهو في هذه القصص هدف للإرهابيين لأنه:

– لم ينجرف معهم أو ينزلق إلى طائفية أو مذهبية، بل بقي صلبا صامدا مهما تعرض لعذاب نفس أو جسد، واثقا من أنهم سيأتون ويحررونه ويحررون مدينته الأحب والأقرب لنفسه ووجدانه وعقله مهما طالت الأيام والأسابيع.

– لم يدخل معهم في مساومة، شأن الثوريين أصحاب المبادئ والرأي السديد، بل ظل صبورا محتسبا.

– عاشق للأرض ووفي للمدينة مخلص للحبيبة متمسك بها حتى الرمق الأخير.

– ولأن الكتابة طهارة الروح وخلاص لها لا يهم إذا كان ما يكتب سيرة ذاتية أو سيرة مدينته حلب أو السيرتين معا، المهم أنه بدأ الكتابة أي أعلن انحيازه للتنوير

في مواجهة الظلام والظلاميين، وها هو يفضح ممارساتهم في سبع قصص بل في سبع مدن .

في حلب (يا غصين البان) والتي أدمى روحها أبالسة من غير جنس ولون ص10 وفي رسائل عاجلة حيث تكشف (إيمان) المطلوب منها وهي المهندسة أن تنسى دراستها وأن تحجب شعر رأسها  ليقبل بها صهيب، ذاك الظلامي الذي صوره الصالح بكثير من الدقة والأمانة على لسان إيمان: لم أكن أقدّر أن يكون صهيب وحشا إلى ذلك الحد بعد أن رفضت رغبته في الاقتران بي وجدتني طريدة ذئب في هيئة رجل ص 28

وكانت ثقة الكاتب بالنصر علامة فارقة ما بين اليأس المراد تعميمه ثقافة وبين المواجهة المكلفة والتضحيات الجسام لتحقيق النصر.

ولا بد من التنويه بالشخصيات أو بالشخصية المحورية في المجموعة ككل فهو على نحو أو آخر مثقف ملتزم صامد متفائل يمتلك رصيدا لغويا وأدبيا متميزا ، يحفظ الكثير والجميل من الشعر العربي الأصيل والتراث التليد، وفي الوقت عينه يحفظ القرآن الكريم عن ظهر غيب نستدل على ذلك من تضمين القصص آيات بعينها، وكأني بالكاتب يريد الرد من النوع ذاته، فإذا كان الظلاميون يوظفون النص ويلوون عنقه لمآربهم فهنا النص الكريم للحياة، للفضيلة، للخير.

هذا ينطبق على فراس وسهير في دير العصافير وكمال وهيام في دنيا من نور وفيصل وظبية  في جنة الرقة ومن قبل ريمة في غصين البان، فشخوص المجموعة من سوية علمية ومعرفية واحدة متجانسة ووسطها الاجتماعي واحد وهي من شريحة أصحاب الشهادات العليا.

وبودي أن أشير إلى تشابه مماثل فأحمد في (رسائل عاجلة) من ص21الى 40هو ذاته صهيب الظلامي ويرى ما يراه من أن ما يحدث (ثورة) وأن حتمية التاريخ تقول إن هذه الثورة منتصرة لا محالة حسب تعبير شيخه د. سعد الذي كان يحرض على المظاهرات في الجامعة، والذي تحول من عابد للمادية التاريخية إلى ناسك ثوري، وهنا يسجل للقاص تعريته لشرائح فضحتها الحرب الظالمة وعرت زيف تقدميتها وبينت انخراطها السريع، بل سقوطها المريع في وحل الطائفية كتفسير منطقي وحيد  لهذا التحول، وبسرعة القذائف الحاقدة التي تهاطلت على حلب ودمشق وغيرها كثير من المدن السورية، للتدليل على ثورية هؤلاء.

كلمة ليست أخيرة: في هذه النصوص السبعة انتصار للحب وهزيمة للحرب، الرقم سبعة عندنا في هذا الشرق ومن فجر التاريخ إلى الآن له من القدسية ما تعرفون فهل تكون السبع القادمات خضرا وفيها تعصرون؟.

رياض طبرة