دراساتصحيفة البعث

شبه الجزيرة الكورية.. خطوة كبيرة نحو السلام

هيفاء علي

بتبادل الابتسامات والتصافح بالأيدي، وبعد قطيعة طويلة الأمد، التقى رئيسا كوريا الديمقراطية وكوريا الجنوبية في بيونغ يانغ، في المنطقة منزوعة السلاح، في 18 أيلول المنصرم، وتعهدا بالسعي لإرساء السلام بعد عقود من النزاع. وقد أجمع المحللون على أن النتيجة الهامة لهذه القمة التاريخية الخامسة تجلّت في إعلان بيونغ يانغ، الذي يتكوّن من خمس نقاط رئيسية.

تتعلّق المادة الأولى من الإعلان بخفض التوترات العسكرية، وتقديم خطة عمل واسعة تهدف في المقام الأول إلى التقليل من خطر اندلاع حرب بين البلدين إلى أدنى حد ممكن. وبالإضافة إلى إنشاء قناة اتصال مباشرة ولجنة مشتركة خاصة للتعامل مع حالات الطوارئ ومراقبة تنفيذ الاتفاقيات العسكرية.

وتنص الوثيقة على

– إنشاء منطقة عازلة بعرض 10 كيلومترات على طول الحدود البرية، والتي ستغلق اعتباراً من الأول من تشرين الثاني 2018  بوجه الطيران العسكري ونيران المدفعية والتمارين العسكرية.

– إنشاء منطقة عازلة مماثلة، بعرض 80 كم، على طول الحدود البحرية لتجنب أي صدام بين قواتها البحرية.

– سحب مراكز الحراسة الـ 11 من المنطقة المنزوعة السلاح ونقل مواقع المراقبة على بعد أكثر من كيلومتر واحد من خط التماس. وخفض عدد الجنود في المنطقة الأمنية المشتركة المجردة من السلاح إلى 35 جنديا في كل جانب.

– تعديل البروتوكول الواجب إتباعه في حالة وقوع حوادث ليتحوّل الخطاب من تهديد “الاستجابة العنيفة للاستفزازات” إلى الحذر “لاتطلق النار”.

أما النقطة الثانية من الإعلان فتتعلّق بالتعاون في مجالات الاقتصاد ومشاريع البنية التحتية والأدوية والغابات، وتغطي المشاريع الافتراضية والمشروعات الجارية أو القابلة للتحقيق على الأقل.

وينطبق الشيء نفسه على توحيد البنى التحتية للنقل في البلدين، فقد اتفقا على إقامة “احتفال تاريخي” بإعادة توحيد أنظمة السكك الحديدية الخاصة بها بحلول نهاية العام.

تتناول النقطة الثالثة من الإعلان تغيير شكل الاجتماعات بين أفراد العائلة المنقسمة. فبدلاً من الاجتماعات المنتظمة، سيتمّ تفعيل نقطة اتصال دائمة العمل، ومن المخطط في النهاية تبادل رسائل الفيديو. وعلى أي حال شهد عدد كبير من كبار السن انتعاش آمالهم الكبيرة في لم الشمل مع أقربائهم وأولادهم.

النقطة الرابعة تتعلّق بالتعاون في ميادين الثقافة والرياضة وتنظيم الاحتفالات. حيث قرّر الطرفان تقديم طلب مشترك لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2032 ووعدا بإرسال فريق مشترك من الرياضيين إلى الألعاب الأولمبية الصيفية في طوكيو لعام 2020.

تجدر الإشارة هنا إلى أن سيؤول أعلنت أيضاً عن إطلاق قناة تلفزيونية جديدة حول كوريا الديمقراطية، لإخبار  الكوريين الجنوبيين عن الحياة والثقافة فيها. لم يتم ذكر ذلك في الإعلان، لكن مثل هذا الإجراء يبدو معقولاً، خاصة وأن بعض أجزاء القمة تمّ بثها بشكل مباشر.

وأخيراً ، تتعلّق النقطة الخامسة من الإعلان بنزع السلاح النووي، إذ  يؤكّد النص النية لجعل شبه الجزيرة الكورية “أرض سلام” خالية من الأسلحة والتهديدات النووية. وقد تعهدت كوريا الديمقراطية بتفكيك المنشآت في موقع اختبار صواريخ “سوهي” تحت إشراف خبراء أمميين. وقد بدأ العمل بذلك في أوائل تموز، لكنه توقّف في الثالث من آب عندما تعثّرت المحادثات مع الولايات المتحدة.

كما كان للقمة نتيجة مهمة أخرى: فقد أثرت على تواتر مؤتمرات القمة المستقبلية. وكما قال مون جاي  قبل سفره إلى بيونغ يانغ: “إن العلاقات بين الكوريتين تقترب ببطء من المرحلة التي سيكون قادتها قادرين على الاجتماع فيها في أي وقت”، وأضاف:  إن رئيسي البلدين يتمتعان بعلاقة شخصية وثيقة”.

لاستخلاص نتائج من القمة، من الأفضل التركيز على ما تمّ تحقيقه بالفعل، أو على الأقل على الإنجازات المحتملة، ألا وهي:

أولاً: حتى قبل انعقاد القمة، في 14 أيلول، افتتح أخيراً مكتب الاتصال المشترك في كايسونغ، والذي يهدف إلى تسهيل الاتصالات التجارية والسياسية بين الكوريتين ودعم الاتصالات بين الأفراد، وتوفير الظروف العملية للأشخاص المصرح لهم بعبور الحدود.

ثانياً: في تشرين الأول ستستضيف كوريا الجنوبية معرض “أيام الخريف قد وصل” ، الذي سيتضمن حفلات موسيقية لفرق من كوريا الديمقراطية. ثالثاً: في 11 أيلول، قدّمت حكومة كوريا الجنوبية إلى الجمعية الوطنية مشروع قانون بشأن التصديق على إعلان بانمونغوم، ولن يصدق هذا القانون على الإعلان فحسب، بل سيحدّد أيضاً المبادئ التوجيهية لتحسين العلاقات بين البلدين وتطوير التعاون. وتشير الوثيقة إلى أن ميزانية قدرها 418.5 مليون دولار ستكون مطلوبة للمشاريع المشتركة المخطط لها.

القمة شكّلت خطوة كبيرة نحو السلام، ولكن لابد من انتظار الخطوات والمراحل المقبلة وترقب كيفية معالجة المسألة الكورية في الأمم المتحدة  فهل آن الأوان ليشهد العالم طي صفحة النزاع في تاريخ شبه الجزيرة الكورية وتوحّد الحياة فيها بعد عقود طويلة من الجفاء والعداء؟.