على الباغي تدور الدوائر
باستثناء السوريين والأصدقاء الحقيقيين، لم يكن أحد يتوقّع أن تعود سورية كما كانت قبل عام 2011. كما لا يريد أحد ممن لا يناسبهم “سلوك” سورية من المعسكر الغربي والملحقين به أن تنتهي الحرب قبل تقسيمها، على الأقل، وتحويلها إلى دولة فاشلة يتبع كل جزء منها إلى مملكة أو مشيخة أو حتى الكيان الصهيوني، كل حسب الجهة التي دعمت وموّلت شذاذ الآفاق ممن في الداخل، أو ممن استقدموا من بقاع الأرض لتنفيذ المخطط التدميري الشرس الذي كان سيكون في حال نجاحه نموذجاً لعموم المنطقة، بما فيهم دول شاركت وساهمت بشكل فعلي في الحرب على سورية.
لذلك لم يكن أمام سورية شعباً وجيشاً وقيادة من خيارات إلا مواجهة العاصفة دفاعاً عن شرف الأمة وهويتها الأصيلة وحقوقها السليبة، فإما الانتصار أو الانتصار، كما قال الرئيس الأسد في عدة مناسبات.. وغير ذلك الارتماء في غياهب المجهول. البعض اعتبر ذلك أضغاث أحلام، وثان أراد أن تكون البلاد حديقة خلفية لسلطنة أفل نجمها، وثالث يبغي قضم مساحات أخرى غير التي يحتلها، ورابع يريدها أن تكون مأوى للتنظيمات التكفيرية على اختلاف مسمياتها، فيما الشعب السوري يستخدم كوقود للحرب وقناة يتمّ من خلالها تنفيذ مراحل المخطط المرسوم بعناية في البيت الأبيض و”تل أبيب”، عبر ذرف دموع التماسيح على معاناته وعذاباته التي تسببوا هم بها، ومن جهة ثانية تحميل الدولة السورية وِزْر ما يجري عبر تنفيذ مسرحيات كيميائية ومجازر على كامل الجغرافية السورية بمساعدة إرهابيي الخوذ البيضاء وإلصاق التهمة بالجيش العربي السوري كمقدمة لاستهدافه عسكرياً.
نعم استطاعت الحرب الكونية إلحاق الأذى بسورية بكل مكوّناتها ودمّرت بنى ومرافق وقتلت طلاب مدارس وأطفال وشرّدت شيوخاً ونساء، وحوّل محور الحرب مخيمات اللجوء في الخارج إلى وسائل للابتزاز السياسي والمتاجرة بالأعضاء البشرية… إلخ. كل تلك العذابات والجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، والتي لم تحصل مجتمعة عبر تاريخ البشرية، لم تستطع النيل من عزيمة الشعب ولم تثن أبطال الجيش عن صون الأمانة والدفاع عن حياض الوطن، وكذلك لم ترهب القيادة السياسية، بل أثبتت مجريات الأحداث أنها كانت مدركة تماماً حجم المخطط، واستطاعت التعامل بحنكة قل نظيرها حتى توضّح المشهد كاملاً أمام الرأي العام العالمي. ذلك بالمجمل رسم الخطوط العريضة للانتصار وجعل المحلل السياسي الأمريكي دوغ باندو يقول: إن أهداف ترامب في سورية أصبحت “محض خيال”، ما يعني أن “اللعبة انتهت” كما قال السفير السابق في سورية روبرت فورد.
الصمود النادر لسورية وتضحيات جيشها أينعت ثماره وبدأ يتلمس الجميع ذلك على أرض الواقع من خلال هرولة دول الجوار لتقديم بوادر تؤكّد استدارتهم، فركب أردوغان حصان محاربة الإرهاب، وتمّ تفاهم الدولة السورية مع الأردن على فتح معبر نصيب، ورفع العلم الوطني فوق معبر القنيطرة في الجولان المحتل، و”الحبل على الجرار”، ولن يطول الوقت حتى تسارع معظم الدول شرقاً وغرباً لفتح سفاراتها في دمشق للتعاون في مكافحة الإرهاب قبل ارتداده عليهم.
بالمقابل، فإن أنظمة الخليج التي موّلت الحرب تستعد لدفع ثمن الفشل في سورية عبر جرها إلى مكائد ومن ثم دفع مليارات الدولارات ثمناً للسكوت عن حماقاتها وقضية اختفاء خاشقجي وما سيترتب عليها من فواتير توضّح طبيعة التعامل الغربي مع هؤلاء، حيث أن ” حلفاؤهم” لن يتخلوا عنهم قبل أن يصبحوا مدينين لهم، وهم مطالبون بشكل شبه يومي بدفع ما تقتضيه الحماية..
وبذلك فإن آل سعود وآل ثاني وغيرهم سيدفعون ثمن ما ألحقوا بسورية من أذى و”على الباغي تدور الدوائر”.
عماد سالم