ثقافةصحيفة البعث

بين النقد والنقد الآخر

تمّام علي بركات

منذ عدة أيام وباعتباري (وحيد في المنزل) وجدت أنها فرصة مناسبة، لإعادة قراءة ما استطعت إليه سبيلا، من المقالات النقدية للدراما المحلية، سواء تلك المحلية، أو المهاجرة.

ذهبت بعيدا عن كل ما يكتبه أصحاب الأقلام المعروف ولاءها لمن، وهم كثرة، حتى أنه يمكن أن يوجد ثلاثة نُقاد لمتفرج واحد، “مقالات” نقدية بوهيمية بلا معنى ويا ضيعان الحبر وكبسات الكيبورد!

قرأت ربما 200 مقال موزعة على مواقع وصحف ومواقع تواصل اجتماعي محلية وعربية، وبعد أن أُصبت بالتخمة من الجمل “النقدية” البهلوانية التي لا معنى نقدي لها، ولا تعرف عن النقد الفني عموما إلا هذه الجريمة اللغوية والنقدية التي ارتكبها نقاد يفتون في جميع شؤون الفن، والحديث عندهم عن عمل تشكيلي لا يختلف أبدا عما يكتبونه كنقد فني أو أدبي عن قراءة نقدية خاصة بهم للرقص الشرقي، وليتهم يعرفون الحديث عنه أيضا، كما ورد في أحد المقالات. بالتأكيد يوجد عدة مقالات محترمة بما تطرحه وتعالجه وتصيغه خصوصا في النقد الدرامي، لكن كُتّابها قلة للأسف.

بعد هذه القراءة الثقيلة على الأعصاب والتي تؤكسد العقل، تمنيت لو أنني من الميسورين ماديا، لأذهب إليهم واحدا واحدا، واطلب إليهم أن يبتعدوا عن الكتابة النقدية بأنواعها، وما يدفع لهم كأجور على ما يكتبون، سأقوم بتعويضه 10 أضعاف على الأقل، وهو مبلغ سخيف أمام خسارات مادية ومعنوية ولوجستية ومصيرية وحساسة، لا تعني أولئك “النقاد” لا من بعيد ولا من قريب، وهم بما يقترفونه، يفسدون عقول أجيال ناشئة دون أن يرف لهم جفن، لكني أثق لحد ما بإنصاف التاريخ وفرزه.

قرأت مقالا لأحدهم ودعونا لا نسميه، والحق أقول لكم، لم يكن ينقص صاحبه وهو يكتب المقال إلا السجود لتلك الشركة المنتجة عند أقدام أصحابها. إنه يعرف عن الشخصيات في الحكاية الدرامية، ما لا يعرفه الكاتب نفسه عن شخصياته القصصية.

مقالات بلا معنى، جمل نقدية إنشائية، انطباعات شخصية لكنها سطحية عموما، آراء لم يسمع بها حتى هم، لغة تحتاج للترجمة من (اركيلوجي) فهمان بالطبوغرافيا، تطنيب لا يصدق للسوء، السوء الذي بات يعرفه الجمهور، ويعرف آلياته.

النقد الأدبي أو الفني، ليس انطباعات شخصية نسجلها وكفى الله المؤمنين شر القتال، كما نقرأ عنوة هنا وهناك، بل هو قراءة عميقة للعمل الفني أو الأدبي، قراءة إما أن تضيء على أهميته وفق قواعد نقدية صارمة، أو يُظهر مواطن الضعف فيه، فيعمل الفنان عموما على الاشتغال أكثر على تاليات أعماله ليطورها، لكن غالبا ما يحدث هو العكس، وهكذا تضيع الطاسة، بين مقال تطنيب لا كلمة نقدية صحيحة فيه، ومقال مكتوب بالمسطرة كما يقال، ولسخرية القدر المقالان يصبحا قبض الهواء، بعد أن صار الإنشاء هو السائد في هذا العلم، فالنقد لمن لا يعلم، هو علم قائم بذاته، له قوانينه وقواعده ومدارسه، لكن هل هو كذلك حقا اليوم؟ الجواب عندكم.