استبعاد أي تعديل جوهري في قانون السجل العقاري تراجع ملحوظ لظاهرة بيع العقارات تزويراً… وإجراءات استثنائية لحفظ الحقوق
لم تكن الإشكاليات الحاصلة في ملكيات العقارات وأساليب التزوير في نقلها من اسم لآخر تحت عباءة “فوضى الحرب” بالأمر الخارج عن السيطرة كلياً حسب تأكيدات خبراء قانونيين، ورغم ضياع حقوق الكثيرين ممن هجّروا قسراً وعادوا ليجدوا بيوتهم بخدمة غرباء استولوا عليها بأوراق ووكالات مزورة، إلا أن بعض الخبراء فضلوا اعتبارها “ظاهرة” مؤقتة ومحدودة ضمن ظروف معينة لا يمكن أن تتغلب على قوة حجية قيود السجل العقاري والقوانين المتينة الناظمة لها على حد تعبيرهم.
ليست قديمة
المستشار في محكمة النقض في الغرف العقارية والمخاصمة والغرفة التجارية القاضي كمال جنيات يوضح أن ظاهرة تزوير السجلات ليست بالقديمة بل بدأت بالظهور عام 2005 وتفاقمت خلال سنوات الأزمة، غير أنها مازالت محدودة برأيه ولم تؤثر على مصداقية السجل العقاري وقوة حجيته، مؤكداً أن سورية سبقت جميع الدول العربية في انتظام السجل العقاري وقوة قانونه والقيمة التي يمثلها في تنظيم عمليات بيع وانتقال الملكيات بين الأفراد.
ويرى جنيات أن حجية قيود السجل العقاري محفوظة وقوية بدرجة عالية من الوثوقية، باستثناء حالات محدودة جداً أبرزها معيار المشتري “حسن النية” الذي يخرق حجية قيود السجل، إذ يمكن إلغاء الملكيات بناءً على مبدأ سوء النية أو حسنها، موضحاً أنه في حال المنازعة بين مشتريين على عقار اشتراه أحدهما قبل الآخر فالأولى حفظ حقوق من يعمد إلى تسجيل العقد أولاً، كون العلنية تعطي حجية متينة، كما وضع المشرع استثناءً لمبدأ الأفضلية في التسجيل إذا ثبت أن المشتري الثاني سيئ النية ويعلم بواقعة شراء المشتري الأول عند ذلك تنتهي الحجية وتعود الأفضلية للأول، حيث اكتفت الاجتهادات الحديثة بعلم المشتري الثاني لتلغى حجيته، بعد التخلي عن الاجتهاد القضائي المتطلب تثبيت العلم وقصد الإضرار أي “إثبات النية” وهو أمر غير ممكن.
وكذلك تصدت الهيئة العامة لمحكمة النقض لظاهرة تهريب العقارات لشخص ثانٍ وثالث وأصدرت قرار يتضمن مبدأ العدول عن الاجتهادات المتناقضة المعالجة لمبدأ حماية الملكية العقارية وآلية إبطال البيوع بطريق التزوير، وحددت معيار ومفهوم الشخص الثالث حسن النية بقرارات عدة لتكون بوصلة للقضاء في معالجة البيوع الباطلة وآثارها السلبية وهي بذلك تمنع تهاتر الاجتهاد وتناقضه وتزيل أي لبس في فهم نصوص قانون السجل العقاري.
لا عيوب..
ونفى جنيات أن يكون مصدر العيوب بالقانون ذاته عازياً إياها لعدم وعي موظفي السجل العقاري في بعض الأحيان وعدم الانتباه والتحقق من صحة الشخصية ومطابقتها مع قيود الأحوال المدنية، أو صدور أحكام قضائية غير واعية من دعاوى إقرارية تتم أمام القضاء بين مدعي الشراء وبين شخص يحمل هوية أو وكالة مزورة لا يتمكن القاضي من كشفها، مبيناً أن حل إشكالية سرقة العقارات يكون عبر تقديم المالك الذي سرق عقاره دعوى إبطال التصرف إذا أثبت تزوير الهوية أو الوكالة شريطة أن يكون العقار لا يزال باسم المشتري المزور فيتم إبطال العقد أو الوكالة.
إعادة الثقة..
كما تم التوجيه إلى عملية ضبط الدعاوى العقارية المتعلقة ببيوع عقارات عبر تحري القاضي وإجراء كشف على العقار وتحقيق محلي في محيطه، ودعوة الطرفين وشهود العقد للاستجواب، وعلى الرغم من بعض الاعتراضات يرى جنيات أن هذه الإجراءات مهمة لإعادة الثقة وتفتح المجال لكشف البيوع الاحتيالية، مؤكداً أن التعاميم الصادرة خففت من الظاهرة بشكل ملحوظ آخر عامين ولم تعد دعاوى فسخ وإبطال قيد مبني على البيع تزويراً قائمة كما كانت.
وفي تعليقه على اللجنة الحالية لتعديل القانون أكد جنيات أن التعديل لا يمكن أن يؤدي لتغيير أي آلية في مفهوم السجل العقاري وحجيته، بل قد يتعلق ببعض المدد والآجال المتعلقة بطرق طعن أو اعتراض أو الرسوم المقررة ليس أكثر.
عقوبة رادعة..
ويؤكد جنيات ضرورة تعديل قانون العقوبات وإضافة مادة خاصة حول سرقة الملكية العقارية توجب رفع العقوبة بين 10-15 سنة وتمنع على القاضي منح الأسباب المخففة التقديرية ما لم تتم إعادة الملكية العقارية المسروقة، حيث إن العقاب الحالي خفيف وغير رادع تاركاً المكسب أكبر بكثير من العقوبة.
استثناء مؤقت..
وضبطت الغرفة التجارية علاقات المستأجر مع المؤجر، إذ يذهب البعض لتقديم دعوى بمواجهة المستأجر أنه غير موجود وينم غيابه عن رغبة باستغنائه عن المأجور، فكانت بعض المحاكم تذهب إلى إخلاء هذا المستأجر بغيابه، لكن الغرفة التجارية وحسب جنيات تصدت لهذا الأمر بشكل مؤقت فالنص يقول “إذا زاد غياب المستأجر عن العام يفهم من هذا الترك استغناؤه عن المأجور وبالتالي يخلى، إلا إذا سافر بهدف التعليم أو الطبابة يعتبر استغناء مكره ومؤقت” غير أن الحرب تسببت بترك قسري للكثير من العقارات فتم وضع آلية تستثني حالة الترك في ظل الأزمة بشكل مؤقت علاجاً لمحاولات المؤجر أخذ المأجور من المستأجر.
السكن البديل
وفي إشارة منه إلى قوانين ومراسيم إعادة الإعمار يرى جنيات أن المأخذ على الجهات الوصائية في التنفيذ هو أنها لا تتعامل مع الشاغل الذي يجب تخصيصه بسكن بديل وفق مفهوم النص القانوني، بل يرون أن الشاغل المستحق له هو من تجده اللجان موجوداً في العقار وفي حال غيابه يضيع حقه وهو أمر غير مقبول ولا يمكن الأخذ به بحسب جنيات، حيث يقول القانون إن الشاغل هو من يملك مستندات تمليك أو حكماً قضائياً قطعياً أو عقد إيجار ثابت التاريخ، وليس المقصود أن تأتي الجهة الإدارية وتجده في العقار في ظل غياب نص قانوني يلزمه البقاء فيه، مضيفاً أن المعيار الدقيق يعود لمن يتقدم بالاعتراض وإظهار سند الحيازة القانونية وهو ما يجب أن تعتمده الجهة الإدارية.
ريم ربيع