توفيق العشا يرحل في زمن القهر
انتظره الأطفال دائماً بموعد محدد ولفترة محددة، -دون أن يكون هناك محطات مخصصة للأطفال-، وكان يجتمع “نعمان” وبائع الكتب والعديد من شخصيات “افتح ياسمسم” ليسمعوا نصائحه، “ملسون” طائر الببغاء الذي جمع سكان الحي الخيالي والأطفال خلف الشاشة في كل أنحاء الوطن العربي ليقدم لهم نصائح مهمة، تمكن بأسلوبه المرح والذكي من إيصال المعلومة القيمة والمفيدة بسهولة دون أن يشعر الطفل بثقلها.
جسد الفنان توفيق العشا صوت دمية الطائر الحكيم “ملسون” في الجزأين الأول والثاني من “افتح ياسمسم” بتميز، وبقي محفوراً في الذاكرة فقد برع بتقديم مجموعة من الأغاني الهادفة للأطفال بأدائه الجميل وقدرته على الغناء مثل أغنية “إن كنت سعيداً مبتهجاً صفق بيديك” و”انظر إلى الهلال” وغيرها من الأغاني، واشتهر أيضاً بثقل صوته وقوته ما جعل المخرجون يختارونه للقيام بأدوار الشر مثل الرجل الكبير في حكايات عالمية، وشارك بالأداء الصوتي في مسلسل الرسوم المتحركة “الوميض الأزرق”، وقدم أعمالاً كثيرة إذاعية ومدبلجة في الثمانينيات من القرن الماضي بسبب صوته المميز القوي الذي لا تكاد تخطئه الأذن.
ولد العشا عام 1948 في العاصمة اللبنانية بيروت، وبدأ مسيرته الفنية عام 1961 عبر المسلسل التلفزيوني رابعة العدوية، ثم عمل في العديد من الأفلام السينمائية إلى جانب نخبة من نجوم الفن في سورية كدريد لحام ونهاد قلعي وعبد اللطيف فتحي ورفيق سبيعي، وتنوعت أدواره ما بين السينما والتليفزيون، فقد عمل في عدة أفلام سينمائية منها فيلم “الانتفاضة” و”عملية شناو” و”الأحمر والأسود والأبيض” و”فتيات حائرات” و”أبو عنتر بوند” و”أيام في لندن” و”غابة من الاسمنت”، و”الأميرة الشماء” و”الأميرة الخضراء” و”الزيناتي خليفة” و”الحب والشتاء” و”وضاح اليمن” و”رمضان كريم” و”أحمد باشا الجزار”، أما في التلفزيون فقد كانت له أدوار متميزة في العديد من المسلسلات، مثل “حارة نسيها الزمن” و”دولاب” و”ماريانا” و”جدار الزمان” و”أولاد بلدي” و”أخماس بأسداس” و”أبجد هوز” و”مواكب النصر” و”تغريبة بني هلال”. وكان له حضور مميز في سلسلة “مرايا” مع الفنان ياسر العظمة حتى شكل جزءا أساسيا وأحد أبطال هذه الأعمال، فكان يضحكنا تارة بردات فعله البريئة، تارة يهز طربوشه الأحمر معلناً انتهاء الحلقة، وتارة أخرى يظهر كرجل قاس وصارم وأحد عضوات الحارة، أما الدور الأبرز الذي ظهر فيه هو “الأستاذ طلال” سكرتير المدير العام “أيمن زيدان” في “يوميات مدير عام” بجزئه الأول، وكان العشا مثال يحتذى به للموظف النشيط المدرك لكل واجباته الوظيفية رغم عدم استيعابه لتصرفات مديره، إلا أنه كان يخرجها بطريقة لبقة ومهذبة لكي لا يسيء لرب عمله في مبنى المديرية، واختفى بعد ذلك عن الساحة شيئاً فشيئاً.
رحل توفيق العشا عن عمر يناهز 70 عاماً، ويعتبر واحداً من الممثلين المهمين الذين لم يحظوا باهتمام وتكريم يليقان بمسيرتهم الفنية خلال حياتهم على الرغم من أدواره المميزة في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية، فهو أحد مؤسسي نقابة الفنانين في سورية، وكتب في رثائه المخرج مؤمن الملا: إلى متى سنهمل كبار فنانينا حتى يسرقهم الموت ويريحهم من رحلة مليئة بالمواجع، لا ندري هل مات جائعا، بردانا، يبكي، يخفي كلمة يحتاج لقولها قبل الفراق، لا أعتقد أيها الأصدقاء أن المديح والعرفان ورفع القبعة وإطلاق التسميات التي لم يسمعها قبل موته ستريح روحه الحزينة. توفيق العشا قدرنا أن نعيش ونموت في زمن لا يشبه شيء إلا القهر، لروحك السلام”.
جمان بركات