ثقافةصحيفة البعث

وليد عكاوي في صالة كامل.. الهواء الملون معلق على الجدار

 

 

افتتح هذا الأسبوع في صالة كامل للفنون معرض الفنان السوري وليد عكاوي، قدم أعماله الهندسية التجريدية الملونة ضمن مربعاتها ومثلثاتها وخطوطها المتقاطعة ضمن شبكة المرئيات غير المباشرة في لغة تحمل الكثير من الإسقاطات الزخرفية والتزيينية دون تكلف في ذلك، بل في الفضاء المفتوح حيث لا حدود تغلق اللوحة ولا فكرة تسبق وتسيطر على ذهنية المصمم العارف بتجربته الممتعة، ولا قصدية أو غاية إلا المتعة واكتشاف هذا العالم من المتشكلات الهندسية من تقاطعات الخطوط المتشابهة في مساراتها المستقيمة بغية المثال الصريح، هذه المتتاليات الملونة تحمل مقولتها بأن كل شيء ممكن أن يكون بسيطا وجميلا، فالألوان لتجاورها قيمة، وحيز المساحة الملونة له وظيفة محسوبة تشاغل جوارها في حوارية المؤلف لسطح أنيق ينشده بغية التأليف والمتعة.
وللتذكير بهذا الاتجاه من الفنون التشكيلية فإن التجريدية بدأت بالحضور كلوحة مستقلة بخصوصيتها في عام 1910م، ومن أبرز رواد هذا التيار الفنان: بيت مونديريان حيث آمن أصحابها بأنّ رسالة الفنّ لا تتلخّص في إعادة تشكيل الأشياء الموجودة في الطبيعة، وإنّما في التعبير عنها بالحقائق المطلقة، فهم يعتمدون في رسمهم على الخطوط العمودية والخطوط الأفقية، وعلى الألوان الأساسيّة الطبيعية، وما يعانيه من ضراوة البيئة المهيمنة على وجوده حيث لابد من ابتعاد الفنان عن تمثيل الطبيعة واستخلاص الجوهر من الشكل الطبيعي؛ وعرضه في شكل جديد بهدف الحصول على نتائج فنية عن طريق الشكل والخط واللون، فتحل بذلك الفكرة المعنوية أو المضمون محل الصورة العضوية أو الشكل الطبيعي حتى وإن بدت غامضة حيث التحول من الخصائص الجزئية إلى الصفات الكلية ومن الفردية إلى التعميم المطلق، لذا كان التجريد يتطلب تعرية الطبيعة من حلتها العضوية ومن أرديتها الحيوية كي تكشف عن أسرارها الكامنة ومعانيها الغامضة..
وسواء أكان التجريد هندسيا شاملا أو جزئيا بتبسيط الأقواس والمنحنيات أي تجريداً كاملاً أو نصف تجريدي فإنه يعطي الإيحاء بمضمون الفكرة التي يقوم عليها العمل الفني؛ والتي تعبر عن الهدف الذي يسعى إليه الفنان والمصمم من التجريد والذي يختلف تبعاً لاختلاف مجالات استخدامه، فالتجريد متوفر في كثير من الأعمال الفنية كما يتوفر في الجوانب العلمية والعملية والفارق بين التجريد في الفن والتجريد في العلم إنما ينحصر في نوع الاهتمام وطبيعة الهدف الذي يرمى إليه كل منهما، ففي العلم إنما يطلب التجريد للوصول إلى تقرير حقيقي ناجح، في حين يطلب التجريد في الفن بغية الوصول إلى التعبير عن الموضوع تعبيراً قوياً، وهنا يكون وجود الفنان وتجربته عاملين هامين في تحديد واختيار ما سوف يعبر عنه ويهدف إليه.
وبالعودة إلى ما قدمه الفنان عكاوي في هذا المعرض نجد أن مشاغله تنحصر في محاولة تقديم لغة بصرية خاصة يعيشها ويثق بأدوات تحقيقها، فهو المشتغل لسنوات في مجال التصميم واستثمار الفن في الإنشاء والترويج الإعلاني لسنوات طويلة قضاها مغتربا في تلك البلاد المفتوحة لثقافات الآخرين بحكم سيطرة السوق عليها ومتطلبات نهضتها العمرانية والحضرية، وبالتالي فإن مثل هذه العروض في دمشق لن تحدث الضجيج المتوقع لها لأن توجه اللوحة التشكيلية لا يزال يخاطب المجتمع بلغة الصورة الأقرب والمتفق عليها إلى حد ما، ولربما الموضوع المباشر الذي يتضمنه العمل الفني يكون حاسما أيضا، لكن حضور الفنان عكاوي المحبب بلوحاته منح الفترة التشكيلية الجديدة هذا العام نكهة التنوع وهذا من مميزات هذا المسار الثقافي الحالي، لأنه مفتوح على كل التجارب والاتجاهات الفنية ويقبل بكل المحاولات الجديدة، لكن الرهان الأجدر هو الذي يبقى ويترك أثرا، وحسبي أن كل فعل لن يكون بلا أثر.. فكيف إذا كان مشغولا بالحب واللطف وفيض من روح عكاوي النبيلة التي جعلت من النافذة أكثر اتساعا لنعمة اللون، والضوء.
أكسم طلاع