إخفـــــاق؟؟!!
مازلنا الخاسرين في معادلة اختلال ميزان المصالح مع الجوار، بعيداً عن الجدل الدائر على خلفية افتتاح مركز نصيب الحدودي، ورغم عفويّة وعشوائيّة الطرح الشعبي بخصوص ظهور سلبيّات مباشرة على الأرض مسّت السوق والمستهلك، إلّا أن فيها من الموضوعية والواقعيّة ما يملي الإنصات إليها والبناء عليها، ليس بخصوص ما يصطحبه العائدون من بضائع، بل في ضرورة التوجّه نحو “الإدارة الرشيقة” للاقتصاد وبالتحديد الشق التجاري من العلاقة مع الخارج، لأن المشكلة لا تبدو في إدارة المعابر، فهذه جزئيّة بسيطة، بل في حزمة السياسات المتعلّقة بتجارتنا الخارجيّة عموماً، وصادف أن تكون المستجدات عند بوابة نصيب مناسبة لطرح أوسع وأشمل، يجب أن يجري تداوله في الأروقة الرسمية المختصة.
فلعلّه من المريب، بل والمريع، أن نسمح للمغادرين، سواء إلى الأردن أو إلى لبنان، باصطحاب السلع المدعومة والمسعّرة إدارياً لمصلحة المواطن السوري، نحن الذين نعلي الصراخ بأن ربطة الخبز الواحدة مدعومة بحوالي 150 ليرة سورية.
لكن لا يهم، فهذا الخلل يمكن ضبطه بقرار ينفذه القائمون على المعابر، إلّا أن ما يبدو بحاجة إلى استراتيجية جديدة متكاملة، هو السياسة التصديرية بعمومها وتفاصيلها، فمكنة التصدير السورية شهدت متوالية انتعاش يستحق القائمون عليها الثناء فعلاً، لكنها يجب أن تخضع لقرارات السلطة التنفيذية وليس العكس، أي ثمة مواسم للتصدير وأدبيات تقليدية أيضاً يجب ألّا نتجاهلها، عنوانها “مصلحة السوق الداخلية والمستهلك المحلّي”، وهذا يعني أننا بحاجة إلى قرارات منع وسماح مرحلية تُبنى على قراءات ووقائع سوق المستهلك، ولا نظن أن أحداً يناهض حقوق المصدّرين في حصاد المنفعة، فالمصدّر دوره أن يصدّر، ويقوم بتأدية أهم حلقة تكميلية متممة لمجمل الفعل الاقتصادي الإنتاجي للبلاد، لكن ثمة جهات معنيّة من واجبها الحرص على تفادي أي خلل في توازن المعروض السلعي وأسعاره في السوق الداخلية.
البعد الآخر الأعمق والأخطر للمشهد، يبدو قاتماً هناك على مسارات التصدير تهريباً، حيث لا السياسات ولا الروزنامات التصديرية تنفع في وقف نزيف الموارد أبداً، ولا حلّ إلا بالطريقة البوليسية، ونظن أنه ليس من العسير على من يرغب بالرصد الدقيق للظاهرة، أن يحصل على أرقام دقيقة عن قيم تدفقات التهريب من سورية إلى لبنان وكذلك الأردن، فهي بالتأكيد أرقام مذهلة، ولا بدّ أن يُسأل أحدُ ما عنها، مساءلة جزائيّة، وليست ودّية بتاتاً؟؟.
أما البعد الثالث الكئيب فهو، أننا نحن وليس مثلنا الكثيرون في هذا العالم من يصرّ على الاحتفاء بتصدير منتجاته الزراعية خاماً، وفي الوقت ذاته نندب حظوظنا لتواضع حجم التصنيع الزراعي في بلدنا، رغم أن هذا النوع من الاستثمار معروف في لغة قطاع الأعمال ذاته بأنه “تحويل التراب إلى نقود”؟!.
لعلّها أخطاء ليست وليدة اللحظة أو الأزمة والظرف الراهن، بل هي ” وصمة” في تعاطينا مع تجارتنا الخارجية، لذا لا بد من استدراك متكامل على مستوى الحكومة.. فالقيم المضافة المجمّدة والمحيّدة هي مسؤولية حكومات وسياسات مزمنة عمرها عقود من التراخي وقلّة الاكتراث!.
ونصرّ على رأينا لعلمنا بأننا في سورية لن نصدّر السيارات يوماً، ولا أجهزة الكمبيوتر ولا الكهربائيات.. نحن بلد زراعي وصادراتنا كذلك، لكن أن نبقيها خاماً، فهذا إصرار على تحويل بلدنا إلى ساحة لغيرنا ممن ينتظرون هناك وراء الحدود.
ناظم عيد