اقتصادصحيفة البعث

بيانات بورصة دمشق تعكس حقيقية الطلب على أسهم الشركات المدرجة..! مفهوما “الاستثمار” و”المقامرة” بين شدة ارتفاع أو انخفاض معدل دوران السهم..!

 

 

تعكس بيانات الإدراج الصادرة عن سوق دمشق للأوراق المالية حالة من ارتباك دوران أسهم الشركات المدرجة فيها ونسبة أيام تداولها على مدار العام، إذ سرعان ما يلحظ المتتبع لتقرير الإدراج الأخير أن أغلب هذه الأسهم لم تحقق الحد الأدنى من نسب هذين المعيارين والمحددة وفق نظام قواعد وشروط الإدراج بنسبة 5% للأول، و20% للثاني على مدار العام. وإذا ما تم تطبيق هذين المعيارين اللذين تم تجميدهما خلال فترة الأزمة نجد أن أربع شركات فقط تحقق شروط الإدراج في السوق النظامي وهي “فرنسبنك سورية – بنك سورية الدولي الإسلامي – الشركة الأهلية للنقل- وشركة العقيلة للتأمين التكافلي”، في حين بين تقرير الإدراج السنوي للشركات المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية بقاء 15 شركة في السوق النظامي، رغم عدم تحقيقها لهذين الشرطين، ووجود 6 شركات في السوق الموازي /أ/، و3 شركات في السوق الموازي /ب/.

مكمن السر
ويكمن سر بقاء هذه الشركات الخمس عشرة في السوق النظامي “علماً أن المادة الرابعة من نظام قواعد وشروط الإدراج تنص على أن معدل دوران سهم الشركة المدرجة في السوق النظامية يجب ألا يقل عن 5% خلال العام، وإلا سيتم نقل الشركة من السوق النظامية إلى السوق الموازية بعد مرور عام على إدراج سهم الشركة في السوق” بأن إدارة السوق قامت في وقت لاحق بتعديل لقواعد وشروط الإدراج بالقرار رقم (505) وأضافت سوقاً جديدة أسمتها السوق الموازية (ب) إلى جانب السوق النظامية والسوق الموازية (أ)، وتمّ تعديل ما يخص معدل دوران السهم بحيث يتم نقل إدراج أسهم الشركة من السوق النظامية إلى السوق (الموازية- أ) بقرار من المدير التنفيذي عند انخفاض معدل الدوران المرجح لأسهم الشركة خلال العام عن النسبة التي يحددها المدير التنفيذي، والمعتمدة من قبل مجلس الإدارة. وفي التعديل الجديد لم يتم تحديد نسبة معدل دوران السهم بل ترك تحديدها للمدير التنفيذي للسوق، وهذه خطوة تحسب لإدارة السوق نظراً لأن سرعة معدل دوران السهم في السوق عندما تصبح عالية يعني أن العوامل التي تتحكم في توقيت الشراء والبيع أصبحت متقلبة بصورة تدعو إلى القلق، لأن ارتفاع معدل دوران الأسهم يؤدي في النهاية إلى انهيار السوق، حيث إن قصر متوسط فترة الاحتفاظ بالسهم تعدّ من مسببات طفرة التداول، ذلك أن الأعوام التي يميل فيها متوسط فترة الاحتفاظ إلى التراجع غالباً ما كان يتبعها أزمة في سوق الأوراق المالية.

وجهة نظر
كما أن قصر متوسط فترة الاحتفاظ بالسهم إلى حدود قصيرة توحي بأن البورصات أصبحت اليوم أقرب إلى صالات القمار، إذ ماذا يفعل مستثمر يحتفظ بالسهم في المتوسط لمدة ستة أشهر؟ من المؤكد أننا لا يمكن أن نطلق على مثل هذا المتعامل لقب مستثمر، إنه يتاجر أو يضارب أو يقامر لكنه لا يقوم بالاستثمار، وفي ظل هذه السلوكيات الاستثمارية ستكون درجة تقلب السوق مرتفعة للغاية، إنه السلوك نفسه الذي سبب انهيار بورصة نيويورك في 1929 والذي كان مقدمة لحدوث الكساد العالمي الكبير، حيث بلغ متوسط فترة الاحتفاظ بالسهم نحو عام في ذلك الوقت..!.
ولكن..!
بالمقابل فإن تقييد سهم الشركة بمعدل دوران معين كل عام هو نقيض مفهوم الاستثمار في الأسهم، فكما هو معلوم فإن الاستثمار في الأسهم هو استثمار متوسط أو طويل الأجل، ولا يستفيد من معدل دوران مرتفع للسهم سوى المضاربين، فما ذنب أي شركة مدرجة في السوق المالية لتعاقب بنقل إدراجها بين الأسواق النظامية والموازية إذا لم تحقق شرط معدل دوران السهم، وهل بالإمكان إلزام أي مساهم على القيام بعمليات البيع لتحقيق هذا الشرط. فعندما تقوم أية شركة بإدراج أسهمها في السوق فهي توفر لمساهميها القدرة على تسييل موجوداتهم بسرعة وعدالة إذا ما أرادوا ذلك، وإن فضل هؤلاء الاحتفاظ بأسهمهم فليس هذا ذنبهم كما أنه ليس ذنب الشركة.

قياس السيولة
ويعد معدل دوران الأسهم من أهم المعايير التي يجب أن يأخذها المستثمر في الاعتبار قبل اتخاذ قرار الاستثمار بالأوراق المالية، كما أنه يعد أحد معايير المفاضلة ليس فقط فيما بين الأسهم المدرجة في سوق ما، بل تتعدى ذلك لتشمل المفاضلة فيما بين الأسواق المالية المختلفة بالنسبة للمستثمرين الأجانب. ويمكن القول إن معدل دوران الأسهم يستهدف بصفة أساسية قياس درجة سيولة سوق مالي ما أو سهم ما دون الآخر ويقصد بالسيولة في هذه الحالة توافر أوامر الشراء والبيع في معظم أيام التداول أو من الأفضل في جميع أيام التداول، أو بمعنى آخر إمكانية تحويل السهم إلى نقدية بسرعة وبأقل تكلفة وبسعر يقارب آخر سعر للتداول.
وكلما زادت معدلات التداول على السهم ارتفعت سيولته بما يتيح فرصاً للمستثمرين للدخول والخروج من هذا السهم متى أرادوا، وبالتالي تقلص عامل المخاطرة على الاستثمار في السهم، حيث تؤدى السيولة إلى توفير فرص أوسع للشراء والبيع وتزيد من الجاذبية الاستثمارية لسهم ما أو سوق ما وتعمل السيولة على انتظام الأسعار أو استقرارها في السوق، حيث تؤدي إلى انخفاض التقلبات الحادة في السعر ومن ثم انخفاض حدة التذبذب فيه وهو ما يطلق عليه في بعض الأحيان عمق السوق.

من الآخر..
ينصح دائماً بشراء الأسهم ذات معدل الدوران المرتفع مقارنة بمعدل الدوران للشركات الأخرى المثيلة أو مقارنة بمتوسط معدل الدوران لأسهم القطاع الذي تنتمي إلى الشركة محل التقييم، أما الأسهم ذات معدلات الدوران المنخفضة فمن غير المستحب المجازفة بالاستثمار فيها حتى لو كانت تعطي معدلات عائد أو ربحية سنوية مرتفعة إلى حد ما، وذلك نظراً لما سينتج عن ذلك من تجميد للاستثمارات وتقليل درجة مرونة المستثمر في التحول من استثمار إلى آخر أو من سهم إلى آخر في ضوء التغيرات التي تحدث في البيئة الاستثمارية المحيطة بالشركات المختلفة، وفي هذه الحالة يصعب على المستثمر تسييل استثماراته بسرعة ويسر، الأمر الذي يزيد أيضاً من درجة المخاطرة المصاحبة لهذا الاستثمار نظراً لعدم قدرته على تفادي الآثار السلبية أو الأحداث الطارئة غير الإيجابية التي قد تمر بالشركة منخفضة معدل الدوران.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com