عشوائية الطرح بعثرت الحلول..؟! فائض العمالة.. معادلة عمالية تنتظر الحلول.. والبداية من الملاكات العددية
كثيرون يجعلون منها أحد أسباب تعثر أو ترهل القطاع العام في بعض المواقع والشركات، “مشكلة العمالة الفائضة”، فرؤية الكثير من موظفي القطاع العام يجلسون لساعات عمل طويلة خلف مكاتبهم بحجة العمل دون عمل تحمل دلالات خطيرة على الاقتصاد الوطني، إذ لا يعقل استمرار تأدية عشرات الموظفين لأعمال مكتبية يمكن لموظف واحد القيام بها خلال ساعات دوامه إذا استثمرها بالشكل المطلوب، وفي سنوات الأزمة تفاقمت هذه المشكلة بشكل خطير بعد أن توقفت آلاف المنشآت والشركات عن العمل، واضطر الكثير من العمال والموظفين للدوام في شركات ومؤسسات أخرى دون وجود أي عمل حقيقي لهم، بل لإثبات وجودهم فقط كي تستمر رواتبهم، ودون أدنى تخطيط من قبل الجهات المسؤولة لإعادة توزيعهم على مؤسسات بحاجة لهم فعلاً، فكثيرة هي دوائر القطاع العام التي تعاني من نقص في اليد العاملة، والتي طبيعة عملها تحتاج لأيد عاملة بشكل أكبر من غيرها، ولكن مع انتهاء الأزمة، وعودة الكثير من المنشآت للعمل، لم نلمس أو نسمع عن أية خطة لإعادة توزيع العمالة بشكل يقضي على أخطر ظاهرتين هما البطالة، والعمالة الفائضة.
سوء تنفيذ
كثيرة هي المسميات التي وضعها الباحثون في هذا المجال، والتي تصب في النهاية تحت اسم العمالة الفائضة مهما اختلفت ألقابها، وتأتي نتيجة فشل السياسات الاقتصادية السابقة في إيجاد حلول جذرية لها منذ زمن بدلاً من إلقاء اللوم اليوم على الأزمة التي تعرّضنا لها، والعقوبات الاقتصادية الظالمة، وخروج الكثير من المنشآت والمؤسسات عن العمل، وبالتالي إكساب العمال فيها صفة العاطلين عن العمل، لكن الحقيقة أن الهدر، والفساد، وسوء التنفيذ، وغيرها من المشكلات التي عانى ومازال يعاني منها القطاع الصناعي كانت من أبرز أسبابها العمالة الفائضة، والحل بيد الوزارات التي لم تخط إلى الأمام إلى الآن، وعلى الرغم من أن وزارة الصناعة قامت بتسوية أوضاع عدد لابأس به من حجم العمالة الفائضة لديها خلال الأزمة من خلال ندب ونقل عدد من العاملين إلى بعض الوزارات الأخرى، كذلك الشأن في اتحاد عمال سورية، حيث تم ندب العمال من معامل متوقفة إلى أخرى مازالت قائمة، إلا أن هذا لم يلغ قيام بعض الشركات بتعيين عاملين جدد لديها، علماً أن الزيادة قد تكون بفئة أو اختصاص معين، والنقص يكون باختصاص آخر، لذا كان لابد من وضع خطة استراتيجية تعالج مشكلة العمالة الفائضة جذرياً بدلاً من إبقاء ملفها مفتوحاً عقوداً إضافية، وبرأي أهل الاختصاص فإن سوء توزيع العمالة على مستوى المنشأة أو الشركة الواحدة يتجسد بزيادة الإداريين والخدميين على حساب عمال الإنتاج، والدليل على ذلك أن الكثير من الجهات العامة الإنتاجية تقوم بتعيين أو تشغيل عمال موسميين ومياومين، بينما يعاني القطاع الإنشائي من عمالة فائضة نتيجة عدم وجود ملاكات لهذه الشركات في القطاع الإنشائي، ويتم تعيين عمال على مشاريع محددة، وأحياناً بشكل غير موضوعي.
إعادة دراسة
لابد من الاعتراف بوجود فائض واضح وفاضح في عمالة القطاع الإداري لا الإنتاجي، وهو بحاجة إلى معالجة، وإعادة دراسات الملاكات العددية، حسب رأي “مضر سليمان”، مختص بإدارة الموارد البشرية، فمشكلة نقص العمالة في القطاع الإنتاجي ليست وليدة اليوم، خاصة في القطاع العام، إذ إن الكثيرين لا يرغبون بالعمل في القطاع العام بشقه الإنتاجي لتضاؤل المردود به، لذا يكتسبون الخبرة منه، وينصرفون للعمل بالقطاع الخاص، أو الانتقال للعمل بالمجال الإداري في تلك الشركات والمؤسسات، وقدم سليمان مجموعة من الحلول المساعدة في حل هذه المشكلة، أهمها اختيار الإدارات الكفوءة القادرة على تشغيل العمالة في المؤسسة، والمسارعة في تحضير ملف العمالة الحالية “الفائض والنقص” في جميع الإدارات، وتصنيفها حسب الكفاءات، وإنشاء هيئة عليا لإدارة الموارد البشرية، مهمتها تخطيط ووضع استراتيجيات واضحة، وربط مخرجات التعليم مع حاجة سوق العمل الفعلي، وإعادة توزيع ونقل العمالة الفائضة، كلاً حسب اختصاصه ومهاراته دون بيروقراطية وروتين، وخلال مواعيد زمنية واضحة، إضافة لمعالجة أوضاع العمالة المريضة والمسنة ذات المردود الضئيل من خلال تقديم قوانين تكفل الحقوق التأمينية، والعيش اللائق واستبدالها بعمالة شابة مؤهلة ذات مردود عال، ووضع سياسات تحفيز لإشباع الحاجات الشخصية والاجتماعية للعمال على خطوط الإنتاج، وتغييب ثقافة الجلوس على الكراسي خلف المكاتب!.
دراسة فعلية
اعتبر محمد كوسا، “خبير اقتصادي”، العمالة الفائضة كذبة كبيرة لانزال مصرين على الحفاظ على هذه المشكلة رغم أن الحل بأيدي الوزارات، فلو تمت إعادة توزيع العمالة على الشركات مرة أخرى بشكل أفضل فإن مشكلة العمالة الفائضة ستختفي، وذلك لوجود أماكن كثيرة تعاني من نقص العمالة، والمشكلة تكمن في سوء توزيع العمالة، وملاكات المؤسسات غالباً مصممة بالشكل القديم، فالمؤسسة تتطور ويبقى الملاك كما هو، لذا يتم في أغلب الأحيان الاعتماد على العقود السنوية والموسمية، إضافة لوجود مناطق لا تحتاج لعمالة فائضة نجد فيها عقوداً مؤقتة كثيرة، هذا كان قبل وخلال الأزمة، لذا يتحتم على الحكومة بعد انتهاء الأزمة التي نمر بها، وفي مرحلة إعادة الإعمار، إعادة النظر في الملاكات، بحيث يكون حجم الملاك مناسباً لعدد الموظفين، ويجب أن يكون تصميم الملاك بشكل علمي مدروساً من خلال دراسة الحاجة الفعلية للعمالة، وتوصيف الوظائف بشكل واضح ومحدد، والعودة إلى الترشيد والعمل الإداري.
رصد النقص
ولأن العمالة الفائضة تسود في صفوف القطاع العام للدولة، وفي ممرات شركاته ومؤسساته، اتجهنا بالسؤال إلى أمانة شؤون العمل في الاتحاد العام لنقابات العمال ليؤكد لنا حيدر حسن، أمين شؤون العمل، بأنه لا توجد عمالة فائضة في القطاع العام بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة، بل جميع مؤسسات الدولة تعاني من نقص كبير في اليد العاملة نتيجة التسرب الذي حدث خلال الأزمة، وتوجد جهات تضررت وتوقفت عن العمل، وبالتالي قامت بندب عمالها إلى جهات حكومية أخرى ريثما يتم إقلاع تلك الجهات من جديد، والمسألة ليست سوء توزيع اليد العاملة، بل توجد أسباب اقتصادية واجتماعية تدفع متخذي القرارات للتريث بنقل وندب مجموعة من العمال كونهم خبراء في مجال معين، ومنشأتهم يجري العمل على إعادة تأهيلها، وهي بحاجة إليهم، وفي المرحلة الراهنة لا يمكن الحديث عن فائض عمالة، أو سوء توزيع عمالة، لأن بلدنا تعافى، وبدأت عجلة الإنتاج بالدوران من جديد، وبالتالي نحن بحاجة لأيد عاملة بشكل كبير، ومن هنا قمنا بإجراء عشرات المسابقات، ونقوم برصد النقص في الشركات والمؤسسات لسد تلك الثغرة من خلال مسابقات التوظيف، خاصة هذا العام، مع تحرير الغوطة الشرقية، الأمر الذي انعكس إيجاباً على عودة جميع معامل تلك الشركة للعمل، لاسيما أننا مقبلون على مرحلة إعادة الإعمار، والحاجة لكل يد عاملة في هذا البلد، وفي معرض حديثه أكد حسن على ضرورة ربط مخرجات التعليم بحاجة سوق العمل، وهو إحدى سياسات الحكومة لضمان مخرجات تعليم جيد ومتوافق مع الحاجات، خاصة فيما يتعلق بالتعليم المهني والفني، وعقدت الحكومة اجتماعاً خاصاً في بداية هذا العام لتحديد احتياجات الجهات العامة من الاختصاصات الجامعية، ومن مخرجات هذا الاجتماع تم تحديد المعدلات الجامعية للقبول، وأكد حسن على ضرورة الحديث عن الكيف، ومضمون العملية التعليمية لتكون متوافقة مع حاجات السوق، ويمكن تدارك ذلك من خلال التأهيل أثناء العمل، والدورات التدريبية لتلافي أي نقص في التأهيل، ويمكن أن نجد أن بعض المعاهد المهنية تقوم بتدريب طلابها ضمن المنشآت وضمن اختصاصها.
ميس بركات