دراساتصحيفة البعث

مجرد حملة نبيلة لحل ظاهرة الاحتباس الحراري

ترجمة: عناية ناصر

عن موقع جابان تايمز 25/10/2018

إذا كان “حلّ” مشكلة تغيّر المناخ العالمي مهمّة مستحيلة في الماضي، فإن ذلك يجب ألا يكون الآن. هذا هو جوهر التقرير الأخير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC)، وهي مجموعة تابعة للأمم المتحدة مكلفة بمراقبة ظاهرة الاحتباس الحراري.

حذّرت هذه الهيئة من أنه ما لم نقم بتخفيضات هائلة في كمية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري “ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرهما”، سنواجه مستقبلاً درجات حرارة مرتفعة، والتي ستدمّر فعلياً جميع الشعاب المرجانية في العالم، وتكثف الجفاف وتزيد مستويات البحار، لذلك نحتاج إلى اتخاذ إجراء فوري. تقول الهيئة الدولية المعنية بتغيّر المناخ إنه يجب خفض الانبعاثات بنسبة 45٪ عن المستويات الحالية بحلول عام 2030 وإزالتها فعلياً بحلول عام 2050، وهذا سيبقي على الزيادة المتوقعة في درجات الحرارة العالمية منذ أوائل القرن التاسع عشر بحدود 1.5 درجة مئوية. وبذلك نتخلّص من أسوأ عواقب الاحتباس العالمي، لكن ليس من الواضح كيف سيتمّ ذلك؟!.

هناك ثلاث عقبات على الأقل تحبط جدول أعمال الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ: أولاً، ليس لديها التقنيات اللازمة لخفض أو القضاء على الانبعاثات من الوقود الأحفوري “النفط والفحم والغاز الطبيعي”. ثانياً، حتى لو كانت لديها التكنولوجيات لاستبدال الوقود الأحفوري، فمن المشكوك فيه أن لديها الإرادة السياسية للقيام بذلك. إذ تواجه الحكومات صعوبة في إلحاق الأذى السياسي بالمكاسب الاجتماعية والمستقبلية المفترضة، حيث يستاء الناخبون من ارتفاع أسعار البنزين ومواد التدفئة، وهذا الارتفاع في الأسعار جزء لا يتجزأ من معظم الحلول المقترحة للاحتباس العالمي، لأنه سيُخفّف الطلب على الوقود الأحفوري ويُحفّز الاستثمار في الطاقات البديلة. والدليل الواضح على تحيّز أمريكا السياسي ضد المستقبل هو معالجة الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية. لقد عرفنا على مدى عقود أن زيادة عدد السكان المعمرين ستعزّز بشكل كبير الإنفاق على هذه البرامج، لكن ماذا فعلت الإدارات الأمريكية تحضيراً لهذه الحتمية؟ في الواقع لم تقم بالكثير!. ثالثاً، على افتراض أن المجتمعات المتقدمة اليوم، بقيادة الولايات المتحدة، تغلّبت على هذه العقبات، من غير الواضح ما إذا كانت الدول الفقيرة والمعروفة باسم “الأسواق الناشئة” ستحذو حذوها، إذ تمثّل هذه البلدان أكبر الزيادات في الطلب على الوقود الأحفوري، لأنها تحاول رفع مستويات المعيشة.

تعزّز الزيادة الاقتصادية والسكانية الطلب على الطاقة، لنأخذ مكيفات الهواء على سبيل المثال. لدى العالم الآن 1.6 مليار وحدة تكييف، حسب وكالة الطاقة الدولية. وبحلول عام 2050، يمكن أن يتضاعف هذا الرقم ليصل إلى 5.6 مليارات وحدة. لن يتخلّى الناس في المجتمعات المتقدمة عن مكيفات الهواء، ولن يُضيّع الناس في البلدان الفقيرة الفرصة للاستمتاع بها، سيأتي الكثير من الطلب في المستقبل من ثلاثة بلدان هي الصين والهند وإندونيسيا.

إذاً ما الذي يجب عمله؟ ربما لا شيء. يبدو أن هذا هو الخيار الذي اتخذه العديد من الجمهوريين وإدارة ترامب، التي انسحبت من التزامات اتفاقية باريس بخفض الانبعاثات. وعداء ترامب ليس جنوناً كما يبدو، لأنه نوع من التباهي بأنهم “فعلوا شيئاً”، في حين أن كل ما فعلوه هو خداع الناس.

كما يبدو، فإن القادم أكثر فوضى، وسيخضع لجميع أوجه القصور المذكورة أعلاه. لو تمّ فرض ضريبة صارمة تدريجياً على الوقود للتخفيف من استخدام الوقود الأحفوري وتشجيع مصادر جديدة للطاقة، وخفض العجز في الميزانية وتبسيط الضرائب على الدخل، وبقليل من الحظ ، قد يحدث اختراق حقيقي، وهذا من شأنه أن يجعل طاقة الرياح والطاقة الشمسية أكثر عملية.

وهنا يمكن القول إن هذا النوع من السياسة، بغض النظر عن الاعتماد على ضرائب الطاقة التي لا تحظى بشعبية، سيمثل انتصاراً للأمل. وباسم مكافحة الاحتباس العالمي، قد يتمّ تبرير مجموعة من مشاريع الطاقة التي لا فائدة منها. لهذا فإن مكافحة الاحتباس العالمي هي حملة نبيلة، لكنها أصعب بكثير مما ينطوي عليه الخطاب. وإذا كنّا جادين في خفض غازات الاحتباس الحراري، فيمكننا اعتماد ضوابط شاملة تمكّن الحكومة من فرض التغييرات. أو يمكننا أن نقبل ما يؤدي إليه الانخفاض في جميع أنحاء العالم كطريقة لخفض نمو الوظائف وغازات الاحتباس الحراري، لكن من الواضح أنه لن يحدث أيّ منها!.