اقتصادصحيفة البعث

الإدارة كفاءات ومؤهلات ومكاسب وامتيازات

من المجمع عليه أن للإدارة دوراً كبيراً بل يكاد يكون الدور الرئيس في إنجاح أية منشأة إنتاجية أو خدمية، والخلل الإداري المتفاقم والمشكو منه في العديد من الإدارات، دفع باتجاه تنامي الدعوة العامة للإصلاح، وتكرس ذلك من خلال المشروع الوطني الذي أطلقه السيد الرئيس شخصياً، تقديراً منه لأهميته وضرورته، وإن يكن الكثيرون يرددون مضمونه، إلا أنهم ليسوا قلة أولئك الذين يعملون خلاف ما ينص عليه، أكانوا يعلمون أم لا يعلمون، وإن تكن الأدراج والرفوف تختزن بعض العمل الذي يخدم مسار عمل هذا المشروع، أو يروي لنا البعض ذلك عبر الإعلام ومن على المنابر، فواقع الحال الإداري المنشآتي لا يظهره، ولم تره عين المواطن المتعامل مع الإدارات، وهو يشكو من قصور الخطوات الإصلاحية الجدية الواجب تنفيذها وفق مسار المشروع الإصلاحي، ويشكو من استمرارية بعض الفاسدين ومرتكبي الخلل وغير الأكفياء في مراكز عملهم، ومن تتابُع تكليف بعض العاملين بمهمات إدارية عليا أوسطى، دون أسس معتمدة واضحة ومعلنة، إذ لا زال يتم تعيين أحدهم في موقعه الإداري الجديد بناء على رأي أحدهم الآخر من ذوي الجاه أو السلطان، بدافع علاقات القربى أو الصداقة الشخصية أو الولاء النفعي المأمول حاليه ومستقبله، ومن منطلق مصلحة المكلف في كرسي المهمة بعيداً عن مصلحة المهمة في قدرات المكلف، وأكثر ما يتضح هذا الخلل عندما يتم تعيين مدير من خارج ملاك المنشأة، ذاك الذي لا يملك أية إحاطة بتفاصيل وحيثيات مهامها، ولم يوضع بين يديه ما يظهر واقعها السابق والحالي بالتفصيل، وما هو حجم ونوع العمل المطلوب منه لاحقاً بالتأويل والتفضيل، ما ترتب أن مكث بعضهم سنوات دون أن ينقل المنشأة إلى حال أفضل، بل ربما كرَّس ركودها على ما هي عليه، أو نقلها إلى أسوأ ما كانت فيه، ومن المؤسف أنه قد حظى بعض هؤلاء بالحفاظ عليهم سنوات إضافية رغم ذلك، وحال تم إعفاؤه أو إقالته أو استقالته، لم يسأل عما فعل، لأنه في الأساس لم يكن يعلم مسبقاً – ولم يُسأل – ماذا سيفعل، بل لم ينبر أحد ما، ليسأل من كان وراء تعيينه عن ذلك، وأكثر ما يقال حينئذٍ لقد جربناه ولم ينجح، والمؤسف أنه قد يتم تجريبه – عفواً تعيينه – مجدداً في موقع إداري جديد، وهنا من المفترض ألا يغيب عن بال بعضهم، أن المزيد من التجريب تخريب، بل لا غرابة أن يكون ذلك هو المقصود، فللدواعش أكثر من دور في أكثر من وجه وفي أكثر من مكان وزمان، وهنا لا يرفعون الراية السوداء، بل يتأبطون الراية المضللة، التي تشبه جلد الحمار الوحشي، بحيث يجهل أو يتجاهل ناظرها، أهي سوداء مخططة بالأبيض، أم هي بيضاء مخططة بالأسود.

لما كان لدى بلدنا كم كبير متنوع الاختصاص من الخريجين الجامعيين، المنتشرين في كافة الإدارات، وكم كبير منهم يتخرج كل عام، أليس من المتوجب أن تعمد السلطات الرسمية لإعداد آلاف المؤهلين – الراغبين في العمل الإداري – من هؤلاء عبر المعاهد الإدارية العليا المحدثة في القطر لهذه الغاية، واستثمار من سبقهم من خريجيها، بغية تغطية حاجة مئات المواقع الإدارية، على أن يتم تعيين المديرين ورؤساء الدوائر والشعب ومعاونيهم من هؤلاء وفق أسس ومقومات ومؤهلات وكفاءات وخبرات واجبة الوجود بدرجة مقبولة، شريطة أن يحاط المكلف علماً بما هو منوط به عقب استلام مهمته، وضرورة إبداء مسؤوليته في تبني أداء ما ينتظره من أعمال، والتزامه بتقديم تقرير دوري ربعي ونصف سنوي وسنوي عن واقع عمله، وتقرير عام حال انتهاء مهمته، واستعداده للمساءلة حال قصوره عن تنفيذها.

وبغية اجتناب معاناة توفر البديل الإداري في جميع الإدارات، حال شغر موقع المهمة لأي سبب كان، من المتوجب اعتماد سياسة إعداد النظير الملازم لكل صاحب مهمة، بحيث يكون ذا كفاءة ومؤهلات مقاربة لكفاءة ومؤهلات المتبوء الحالي لكرسي المهمة، وعلى اطلاع وإلمام بكامل حيثيات العمل، ما يساعد صاحب القرار في إحلال البديل الذي تحتاجه المنشأة، بعيداًً عن العلاقات الشخصية.

ويبقى بيت القصيد المتمثل بضرورة معالجة ضعف الراتب الوظيفي بشكل عام، وتحديداً ضعف العوائد المالية الممنوحة لكثير من المهام الإدارية، ما يوجب منح المكلفين بها العديد من المزايا المادية والمعنوية قانوناً، لقطع دابر تفكير بعضهم في الحصول عليها حيلة واختلاساً، والحد من حالة العزوف عن كثير من الإدارات. فالإدارة كفاءات ومؤهلات وعطاءات وطنية، ومن حقها مكاسب وامتيازات فردية.

عبد اللطيف عباس شعبان

عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية