الكتابة الجديدة.. ظهور الأثر
ما من نوع أدبي إلا وكان ومازال له عبر العصور محبوه ومريدوه، ومن يُعلي شأنه عن باقي الأنواع الأدبية الأخرى، رغم التشابك الكبير بين تلك الأنواع، من جهة تداخل كل نوع بالآخر، وإن كان بنسب ضرورية فقط، كي لا يطغى نوع على النوع الآخر، فالشعر يمكن له أن يدخل على الرواية، ولكن ضمن شروط محددة؛ لكن هذا ليس محور حديثنا الآن، خصوصا وأننا امام ظهور بل شبه تجذر لنوع جديد من الكتابة التي تندرج تحت إطار “أدب” أو “إبداع” أيضا والتي سيكون لها أثرها الحاسم على طبيعة هذا الأدب ومنطقه، وهي الكتابة “الانفعالية” التي تجيء الآن بعد العديد من الأشكال الأقدم، كالمسمارية والهيروغليفية وغيرها، وهي أي “الكتابة الانفعالية” كما تصفها معظم الدراسات التي اشتغلت عليها،هي كتابة تستخدم صفحات التواصل الاجتماعي “الفيس بوك” بشكل خاص” كورق خاص بها، أما الحبر فأزرار الكيبورد والقلم إما هاتف ذكي، أو جهاز الالكتروني آخر كالحاسوب.”.
ورغم أن معظم آراء الذين تم سؤالهم عن قناعتهم في هذا النوع من الكتابة التي تمت تسميتها بعدة أسماء ومنها “العربيزي” أو “الفرانكو آرب”، جاءت منددة بالتجربة، وبكونها تشكل خطرا وتهديدا مباشرا على اللغة العربية، وأنها ستؤثر على الوعي الاجتماعي والثقافي العام بل والأخلاقي، إلا أن أحدهم لم ينكر أن لديه صفحة زرقاء يكتب عليها أحيانا، باعتبار أنها وسيلة العصر، وأحيانا عليك مجاراة الحداثة، أو تبقى عالقا خارج الزمن، فما من رسالة ستصلك دون شبكات الاتصال، وما من تواصل مع قريب بعيد مثلا، كان يكلف في الماضي الكثير من النقود عدا عن الوقوف طويلا في الطوابير، من أجل أن تحكي تلك السيدة مع ابنتها التي تدرس في فرنسا، أو أب مع ابنه في بلد آخر، عدا عن كون تلك المنصات توفر ملايين المعلومات، التي تبقى الجرائد والمحطات الإعلامية الإلكترونية الأخرى، تحتاج إلى وقت أطول، للتقصي والاستبيان والتأكد من صحة ما تتناقله من أخبار، فيكون ما تكتبه في مقالاتها صباحا، قد أمسى قديما باهتا عند القراء، ما هو إلا معلومات “بائتة” سبقها عليها “الفيس”، وفيما تعُتبر تلك الخدمات هي مما تقدمه ثورة الاتصالات، والثورة الرقمية، لكن هذا لا يعني أن تلك الخدمات، مهدت الطريق لظهور هذه الكتابة، والإقبال عليها منقطع النظير.
في الهند قررت واحدة من الجامعات أن تقوم بتدريس الكتابة “الفيسبوكية” كشكل من أشكال الكتابة الجديدة، مستندة في ذلك على كون العالم بمعظمه تقريبا، يستخدمها، هذه الكتابة كما تخبر الجامعة لها شروطها وطبيعتها الخاصة وحتى نتاجها الخاص، المختلف فيها على الأقل تقنيا، وما يمكن أن يعكسه هذا الخلاف من انتقالها من الورقة والقلم إلى الأدوات الإلكترونية الخاصة بهذا النوع، وحيث أن الموضوع لا زال قيد الدراسة في الجامعة الهندية، أو ربما تم تطبيقه ولكن ليس بالشكل الجاد، إلا أن ثمة اختلافات عدة تظهر بين الأسلوب الحديث والأسلوب الأقدم منه.
إنه أولا وقبل كل شيء (الشكل)، الذي تطور قبل تطور اللغة نفسها، شكل اللغة، كيف تكتب؟ بأي وسيلة، لذا لدينا تصنيفات لهذا الشكل، من الرسم على جدران الكهوف، مرورا بالكتابة المسمارية، فالآلة الكاتبة إلى الشكل الذي يكتب فيه هذا النوع من الكتابة، فإذا كنا سلمنا بتلك الأشكال وأنها قائمة، ومنها لم يزل حتى اليوم، -القلم-، فلما هذا الإنكار الاجتماعي –الثقافي منه على وجه الخصوص-لهذا الشكل؟ هذا في القول، حتى أنهم يتذمرون من مجرد السؤال، وهم حتما ليسوا معها، فمنهم من يستخدمه للترويج لنتاجه الأدبي أو الفني، وهنا يكمن الفرق الثاني، (الترويج)، وهو أساس عملية التبدل، فمن يريد أن يروج لبضاعته يعرضها بأبهى حلتها، وهذا ما يحصل أيضا في الكتابة الفيسبوكية، التي لم تتغير مواصفاتها من جهة الموضوع، فأنت لا تؤمن بالوسيلة التي تنكرها، مقابل أنك تثق بأنها مروج ممتاز لنتاجك، وما الذي يريده كاتب أو شاعر أكثر من هذا.
ولكن هل حقا هذه الكتابة الانفعالية-الفيسبوكية، سوف تؤثر على اللغة الفصحى؟ فهي بتغييرها لشكل الحرف وتحويله إلى رموز كما في المثال التالي: “حزين” تكتب “zeen7، فإنها تقوم بذلك بتغيير شكل اللفظ، وعندما يتغير شكل اللغة، عندها تبدأ بإعلان أفولها، هذا عدا عن دخول مصطلحات صارت لكثرة الحديث فيها من مفردات الشكل ذاته مثل “هاشتاغ” وغيرها، أيضا اختلاف ثالث مرّ، وهو (دخول مفردات مختلفة كليا على اللغة أيا تكن”، لكنها تصبح جزءا من الحديث اليومي، وبالتالي من نتاجات الكتابة “الفيسبوكية”، هذا ونحن في البدايات فقط، اقصد كشعوب بلدان عالم ثالث، تستهلك ما لا تنتج ولا تساهم في إحداثه “النت مثلا”، لكننا اختلفنا على التسمية، ماذا نسميه “شابكة” أم ماذا؟. إلا أنا إزاء هذا التغيير في الشكل أو الأسلوب، والذي حتما سيؤثر على المضمون، يجب أن نسأل ما يلي:هل يتناص الشكل الجديد المابعد حداثي مع منجزات شكلية أخرى سابقة؟ما هي آليات ذلك التناص في المنجز الشكلي المابعد حداثي؟.
الجواب عن هذين السؤالين، بحاجة إلى الذهاب ابعد في دراسة آلية وأثر ظهور كتابة جديدة، ولكن بالعودة إلى المقدمة التي كنا افتتحنا بها المقال بالحديث عن الأنواع الأدبية، أيضا ظهر نوع جديد من هذا الأدب، بظهور نوع جديد من الكتابة، وهذا طبيعي، وهو الأدب”الفيسبوكي” ويوصف حتى اللحظة بكونه أدبا انفعاليا عفويا، وهو أخبث من ذلك بكثير، وليس بريئا كما نظن، وهذا سنأتي على ذكره في مقالات قادمة.
تمّام علي بركات