“وصايا الماء” في إطلاق مشروع مبدع وناقد في مكتبة الأسد
“خلف لمع البرق، ثمة رعد راعش التردد، يمطر في دجى العتمة” شفافية الكلمة تعانقت وتحاورت مع فضاءات اللون الأزرق في المجموعة الشعرية للشاعرة أسمهان الحلواني، التي أُطلقت نقداً وقراءة وتوقيعاً في المشروع الجديد الذي تبنته وزارة الثقافة ومكتبة الأسد بعنوان”مبدع وناقد” بإدارة المدير العام للمكتبة إياد مرشد، وبمشاركة الأديب والناقد سمير المطرود الذي قدم نقداً منهجياً أكاديمياً للمجموعة محللاً ومفنداً القصائد، وقد أثار نقده آراء مختلفة في خصوصية النقد من قبل حضور نوعي للشعراء والأدباء والمثقفين.
عوالم سحرية
استهل الندوة إياد مرشد بأن الشعر لم يكن في يوم من الأيام شكلاً من أشكال الترفيه، بل كان الأكثر فعالية في التعبير عن هواجس الإنسان يملك القدرة على تغييرنا ويصعد بنا إلى عوالمه السحرية، وأنه في زمن الأزمات يصبح الشعر أقرب، وبيّن أن الإبداع والنقد يكملان بعضهما للارتقاء بالذائقة الشعرية وتلمس معاني الجمال، وأن النقد ليس هدفه المديح بل تقويم للنص الإبداعي، وأن مشروع مبدع وناقد قابل للتطوير من ضوء اقتراحات الحاضرين.
حقوق التجريب
وقد خرج الناقد سمير المطرود عن المألوف بالنقد فجمع بين النقد والقراءة الشعرية بتطرقه إلى الخاصية النقدية وقراءة الشاعرة أسمهان الحلواني القصيدة المشار إليها، فكانت “إشراقات المعنى في وصايا الماء” العنوان العريض لأوراق عدة قدمها الناقد المطرود استعرض فيها المذاهب النقدية وتوقف عند المذهب الفلسفي لأفلاطون لاستنباطه السمات الصوفية التي هيمنت بزرقتها السماوية على القصائد، وعاد في البداية إلى عبد القاهر الجرجاني وابن سلام الجمحي في طبقات فحول الشعراء وغيرهم ونوّه إلى أن العرب القدامى سبقوا كل أصحاب المدارس النقدية والغربية، ليصل إلى صفات الناقد المتمثلة بثقته بنفسه وعدم تأثره بإملاءات من هم أعلى منه وعدم تأثره بسلطة عليا أو امرأة محبوبة، ليتساءَل أليست هذه هي الأخلاقيات التي نطمح لامتلاكها؟؟، داعياً إلى حقوق التجريب .
وتوقف عند العنوان وصايا الماء الذي وصفه بالشائك والشائق وفي الوقت ذاته يحقق الدهشة المبنية على معرفة عميقة وحينما يدخل القارئ بمتن المجموعة يجد نفسه إزاء حالة متفردة من الوعي، وتابع بأن الشاعرة الحلواني على مدى صفحات المجموعة طرحت أسئلة عميقة تنم عن إنسانية مفجوعة، وسبحت في أكثر من محيط شعري مبتدئاً بخاصية التناص الديني الذي نشرته على كامل المجموعة كما في سورة النور”ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزّل من السماء من جبال فيها من برد، فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء”، فكانت هذه الآية الكريمة بوابة عبور للوصول إلى النص الشعري، فطلب من الشاعرة قراءة قصيدة”انشطار الماء”
ويدرك كلي غياب بعضي/وبعض الغياب لهيب/هنا احتراق الماء/والشرر.. التمني..
والبرق يصعد مني/فهل؟/فهل لمس انشطاري سماء قلبك؟
فتحدث المطرود عن علاقة عشق فريدة وكيفية توظيف الماء الذي يضخ الحياة بالشرايين، ليجد أن الشاعرة اقتربت من الحالة الصوفية في الإدراك للكل والغياب للبعض، واحتراق الماء يدل على عذابات الإنسانية، وانشطار الماء هو تشظي الإنسان الراهن.
ملامح الصوفية
وتقترب الشاعرة أكثر من ملامح الصوفية ورقصة الدراويش في قصيدة “مدد”: مدد..مدد/من سبات النور/إلى روح الأحد
وهنا نستشف تكثيف حركة الكون إلى المطلق.
وانتقل إلى قصيدة لغة الماء فقرأت الشاعرة:”امنحني بعض الوقت/لأفتر..أغلي/وتنضج لديّ لغة الماء/يا لغة الماء
فعقب المطرود على خطابها بضمير المتكلم والغائب بالقصيدة.
ليخلص المطرود من خلال أمثلة عدة أن الشاعرة الحلواني عبّرت عن لحظة التوحد مع الحياة ولامست بذرة التكوين الأولى، واستخدمت الكثير من الانزياحات والاستعارات والتناص، ليخلص إلى القيمة التي تنسحب على كل المجالات الحياتية، فالمجتمع دون نقد يصبح فراغاً، والسياسة بلا نقد تصبح بلا معنى.
وأخرجت الشاعرة الحلواني الحاضرين من أجواء النقد بقراءتها المعبّرة لقصيدة ألا هل بلغت؟
صارت كلمة حب ضيقة/والمدى اختناق/صارت التعبيرات قوقعة/والبحر أنا”
النقد الأكاديمي
القراءة النقدية والشعرية كانت مدخلاً لآراء كثيرة تداخلت في مفهوم النقد، منها ما قاله الأديب غسان كلاس إذ وصف ما قدمه المطرود بالنقد الأكاديمي الذي يمتح من نبع الفلسفة بمداها الاجتماعي الجمالي وفند وصايا الماء تفنيداً، مشيراً إلى وحدة الموضوع في المجموعة وهي من الأمور الهامة في الديوان الشعري بدلاً من أن يكون من كل بستان زهرة.
النقد الانطباعي
وبارك د. عبد الفتاح إدريس للشاعرة وأشاد بالنقد الانطباعي المنهجي الذي اعتمد على الشواهد الكثيفة، وتحدث عن قصيدة النثر التي تعد نوعاً شعرياً صعباً لمقومات القصيدة من حيث اللغة والصور والموسيقا لتكون قصيدة متكاملة ناجحة، وبيّن بأن الشاعرة رسمت الكلمات كما ترسم بريشتها عالم الغموض.
وأشار الأديب نذير جعفر إلى أن النقد هو التحاور مع النص والتحول إلى صديق له، وقد جمع المطرود مناهج متعددة بالنقد، وكان يتمنى أن يقترب أكثر من التقنيات الفنية والصور المبتكرة إلى الاستهلال إلى القفلة، لاسيما أنه كثُر في الشعر السوري التقليد والمحاكاة لتجارب سابقة، ونحن نحتاج إلى شعر يرمي وردة في مياه ساكنة.
وعقب الناقد أحمد هلال بأن النقد الذي قُدم كان أقرب إلى النقد الثقافي النقد العابر إلى النصوص، بينما وجد عصام ترشحاني بأنها أدخلت اللغة في سياقات غير متوقعة.
وفي الختام قدمت الجمعية العلمية للجودة شهادات تقدير للمدير العام لمكتبة الأسد الأستاذ إياد مرشد والناقد سمير المطرود والشاعرة أسمهان الحلواني .
ملده شويكاني
ت- رامي الغزي