رأيصحيفة البعث

التطبيع.. بداية النهاية

 

التطبيع على أشده، من فوق ومن تحت الطاولة.. مرة يُفرش السجاد الأحمر لـ “نتنياهو”، في مسقط، وأخرى تتنقل وزيرة إسرائيلية بين قصور الإمارات وجوامعها، وثالثة يعزف نشيد كيان الاحتلال في بطولة رياضية في الدوحة، هذا في العلن، فكيف إذاً هو الحال في السر، وما يطبخ بين أنظمة الخليج وقادة الكيان الصهيوني؟ وما هي الأوراق التي أبقى عليها هؤلاء لاستعادة الحقوق الفلسطينية، التي تنازلوا عنها رويداً رويداً، ووصلوا إلى حال يستجدون خلاله نتنياهو لإقامة علاقات مع كيانه الغاصب، مقابل توسّطه لدى ترامب للإبقاء على عروشهم، وغض النظر عن جرائمهم التي ارتكبوها بحق الأمة، بل وبحق مواطنيهم، فيما يرزح الفلسطينيون تحت حصار جائر، ويسقط العشرات منهم كل يوم بين شهيد وجريح في سبيل تذكير العالم بقضيتهم التي يتم العمل على دفنها عبر صفقة القرن الترامبية.
لم يكتف حكام الخليج بتدمير سورية وليبيا والعراق، ووضع أكثر من 14 مليون يمني على حافة المجاعة، بأموال نفطهم القذرة، بعد أن سيطروا على الجامعة، التي كانت عربية، وحوّلوها إلى أداة لشرعنة التدخلات العسكرية، والعبث بأمن المنطقة واستقرارها، وانتقلوا في هذه المرحلة إلى تصفية القضية الفلسطينية، كمقدمة لدمج “إسرائيل” ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي بشّرت به كوندوليزا رايس عبر الفوضى الخلّاقة التي مثّلها الربيع العربي المشؤوم، وباتت “بفضله” اليوم اليمن وسورية والعراق وليبيا، وكل العرب الرافضين للتطبيع هم الأعداء بالنسبة لأنظمة الخليج، وأصبح نتنياهو الخل الوفي الذي سيحميهم من العدو الذي اصطنعوه، ما يعني أنهم لا يريدون فقط التنازل عن فلسطين، بل والقضاء على كل ما يمّت إلى العروبة بصلة، ومجابهة كل من عادى الكيان الصهيوني، وكان خلال عقود من الزمن حاملاً للقضية ومدافعاً عنها، وتحمّل العقوبات والحصار جراء مواقفه المشرّفة.
والأنكى من ذلك أن أنظمة الخليج تسارع لإقامة علاقات اقتصادية مع كيان الاحتلال، أولها كشف عنها وزير المواصلات الإسرائيلي من مسقط حول مشروع سكك حديدية يربط ميناء حيفا الفلسطيني بالأردن والسعودية ومنها إلى الدول الخليجية الأخرى، هذا يحصل مع كيان غاصب يقتل الفلسطينيين، ويزج بالآلاف منهم في غياهب السجون دون محاكمات، ويحتل الأرض، ويعمل على تدمير  المقدسات التي يسمي ملك السعودية نفسه خادماً لها.. نعم هم يطبّقون التطبيع الكامل مقابل لا شيء، وربما يحصل نتنياهو على بضع مليارات من الدولارات من خزائن الخليج كمكافأة على قبوله بالتطبيع، ليستخدمها في استهداف الدول التي لا تزال يعقد عليها الأمل في استرجاع الحقوق السليبة.
وهو أمل لا يزال موجوداً، ففي عصر الاستسلام الخليجي لـ “ترامب” ونتنياهو، تعمل الدولة السورية على إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى مخيم اليرموك، أكبر تجمعات الفلسطينيين في الشتات، وتمضي في استنهاض مشروع قومي عربي، قاعدته الرئيسية الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، وليس الأنظمة التي تعودت على الانبطاح والتسليم بما يُملى عليها من البيت الأبيض و”تل أبيب”، ففي زمان الذل والهوان تبقى سورية التي دفعت أثماناً باهظة دفاعاً عن الهوية الأصيلة وعن وحدتها ومواقفها واستقلالية قرارها الوطني، حاملاً لقضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين، التي هي في قلب وعقل كل مواطن عربي دون استثناء، فعندما يكون قلب الأمة لا يزال ينبض بالحياة، فهو قادر على بث الحياة في الجسم العربي، ولا خوف على الحقوق، ومهما حصل كيان الاحتلال على هدايا، فإن الشعب العربي الذي قدّم عبر تاريخه النضالي الطويل ملايين الشهداء في مواجهة الاستعمار لن يتوانى عن تقديم المزيد في سبيل الحفاظ على الكرامة والأرض، وهو قادر اليوم على إفشال كل المخططات الصهيو أطلسية، وما يحصل اليوم من تقاطر لأحرار الأمة إلى دمشق، وما يقوم به أهلنا في الأراضي الفلسطينية وفي الجولان السوري المحتل، سيكون البوابة التي سيتمّ العبور من خلالها لصنع فجر عربي جديد يعيد للأمة هيبتها، وربما يكون التطبيع الخليجي بداية النهاية لأنظمة متهالكة لم تجلب إلى الأمة سوى الذل والعار والخيانة.
عماد سالم